بردة علي بن أبي طالب - أحمد علي سليمان

يا شِعر رحب معي بالسيد العَلَمِ
وجُدْ بما يُشتهى من طيّب الكَلِمِ

وذرّ ما فيك مِن صَدىً لتُطربنا
صداك يُذهبُ ما في النفس من ألم

ورَجّع الصوتَ كي تَسُر خاطرَنا
ومَن يذقْ لذة القريض ينسجم

وجَمِّل النغمَ الشاديْ لتُبهجنا
لا خير فيك إذا لم تَرقَ بالنغم

وزينِ النصَ بالبديع مجتهداً
حتى نرى كلماتِ النص كاليُتُم

وحقق الخبرَ الذي تُسجله
فلا يكونُ افترا مِن ظالم غشِم

ولا يكونُ أغاليطاً مُلفقة
كُتابها جَوقة مِن أحمق الغنم

ولا يكونُ أباطيلاً مُزورَة
خطتْ بكف فتىً بالإفكِ مُتهم

يا شِعرُ لا تنتقِ الألفاظ خادشة
حياء مستمع للشِعر محترم

بئس الكلامُ إذا على عواهنه
أطلقته مثلما القضيض والأكَم

يا شِعرُ حَبرْ لطيف القول مفتخراً
بابن أبي طالب المُبجل العَلَم

رباه فاجعل لهذا الشعر أفئدة
تأوي إليه وألباباً ذوي فهُم

هبني البلاغة في تحبير زبدته
فبالبلاغة تبدو خِيرةُ السيَم

وأعطني مِن قوافي الشعر أعذبَها
كي لا يصابَ الذي يتلوه بالسأم

ومُرْ عسيرَ المعاني أن يُجاملني
إن لانَ لمّا يكنْ عني بمنعجم

وطوّع الوزنَ ، لا يكون منكسراً
فالكسْرُ يُبلي جميلَ الشعر بالسقم

رباه وانفعْ بما أخط مَن سمعوا
مِن أهلنا العُرْب أو مِن أمّة العجم

رباه أسألك الجنانَ عامرة
لي ، ثم لأهل الحق كلهم

اجعل قريضي (لأهل البيت) قنطرتي
لنيل جودك يا ذا الجود والكرم

أطري الإمامَ (علياً) بالقريض زكا
عن الركاكة والتدشين والغشم

ما قيمة الشِعر إن فاحت رَكاكته؟
واخيبة الحِبر والقرطاس والقلم

إني أقدمُ للإمام معذرتي
إن لم أصغ بُردتي في قالب سَنِم

عليّ قدْرك في الرجال يُعجزني
عن أن أؤلف وصفاً بالغ العِظم

فمَن يُساميك في أصل وفي نسب؟
أمن يُساميك في دين وفي شمم؟

ومَن يُباريك في المناقب اجتمعت
في واحدٍ ، وهْي في جماعة النسَم؟

إذ كنت أول في الإسلام تدخله
فتىً ، وآمنت بالمهيمن الحكم

وكنت صليت في بيت النبي ، وقد
سألت عن دينك الجديد في نهم

أما (أبو طالب) فوالدٌ فخرتْ
به (بنو هاشم) بمنتهى الشمم

حاز السقاية للحجيج منفرداً
بها ليسقيَ مَن قد حلّ بالحرم

وعز أكثرَ لو أطاعَ ممتثلاً
أمرَ النبي فيلقى خيرَ مختتم

لكنه آثرَ القبيلة اتبعتْ
عِبادة العُرف والتقليد والصنم

والأم (فاطمة) خيرُ النسا حسباً
وخيرُهن هُدىً بطاعة الهشِم

إذ أسلمتْ ‘ وعلى إسلامها رحلتْ
يا سعدَ موتٍ على الإيمان والسلم

علِيّها وَضعتْ في جوف كعبتها
خيرِ المواضع بالتقديس متسم

وجاء (أحمدُ) و(العباسُ) عن رغب
إذ (مكة) ابتُليَتْ بأحلك الإزم

جاءا ليقتسما الأبناءَ قد كثُروا
على (أبي طالب) في المأزق الوخِم

أما (عليّ) ففي دار (النبي) أتى
حتى يعيش على الأخلاق والشِيَم

وفي (حِراءٍ) له عبادة عُلِمتْ
ومَنْ يُوحدْ مليك الناس يَستقم

حتى إذا يفعَ الفتى غدا رجلاً
وجاء يخطِبُ بنت المصطفى الهشم

فلم يُعنفه فيما جاء يطلبُهُ
نبيُنا رحمة تسعى على قدم

بل قال: أقبلُ ، فامنحْها الصداقَ إذنْ
ولست تملكُ ، فابذلْ دِرعَك الحُطمي

هديتي لك يا (عليّ) فاطمة
فاقت جميعَ النسا العقائلِ العُصُم

أيا ابنَ عمي ألا أحسن لفاطمةٍ
إذ إنها بَضعة مني وبعضُ دمي

عليّ عشت لهذا الدين فارسَه
تردُ بأس عدو ظالم غلم

جاهدت منتصراً للدين صُبحَ مسا
مُحققاً نصره في كل مصطدم

ولم تُراهنْ على شجاعةٍ ومَضا
بل كنت تعمدُ للتخطيط عن رغم

إذ للأعادي مَراميهم وخطتهم
مَن لم يَضعْ خطة يفشلْ وينهزم

ونمت في بُردة النبي تخدعُهم
وتستهينُ بهم في خير معتزم

أبقاك (أحمدُ) تعطيهم أمانتهم
مَن خانها يُحتقرْ ومنهُ يُنتقم

حباك هذا الفراشُ الأمنَ أجمعَه
والخوفُ ولى ، ودارت سَورة الوَصَم

نِعمَ الفدائيُ ضحّى في مغامرة
كادت تُعرضُ مَن لاحى لسفك دم

والله أنجى بما أتيت أحمدَنا
سبحان ربك من حام ومُنتقم

وجاءك الأمرُ هاجرْ من ديار أذىً
يُبلي المُقامُ بها المقيمَ بالسَدَم

وقد يُكلفه روحاً يُجندلها
خِبٌ لكل دماء المسلمين ظمي

وبعدَ لَأي بها هاجرت مُتكلاً
على مليك الورى القدير ذي النعم

وجئت (طيبة) إذ كان الأمانُ بها
هو المفازة من سيل من العرم

أبا تُراب وقدّمت النبي بها
على الأباة جميع الأهل والحِشِم

حتى رآك بمنزلة الأخ انشرحتْ
به الأساريرُ خير الصهر والرحم

فقال: أنت كما (هارون) كان أخاً
أوى (الكليمَ) ، وكان العونَ في القحَم

لكنْ بيَ الأنبيا والرسْلُ قد ختِموا
والأمرُ ليس على فردٍ بمنبهم

أبو الحسين أتتْ (بدرٌ) تُغازله
وتستثيرُ إبا الضرغام في شمم

مَن للبِراز؟ ومَن تُعليه نجدته؟
ومَن إذا نادتِ الهيجاءُ لم يجم؟

مَن (للوليد) إذا ما اختال في صلفٍ
حتى يناوله دغاولَ النقم؟

من (للوليد) وقد هاج الغرورُ به
كفٌ بها السيفُ ، والأخرى بها اللجُم

من (للوليد) تحدّى جيشَ (أحمدنا)
بشر لفظٍ على الشفاه مرتسم

يقول: هل فيكمُ ليثٌ يبارزني؟
قال (العليّ): أنا واختال بالشُكُم

قال (الوليدُ): أنا لستُ الحريصَ على
قتل الصديق كقتل الحوت للبلم

فدعْ سِواك يُلاقيني لأقتله
إذ لا أسَر إذا ألقاك كالخصِم

فقاطعَ القولَ مُحْتداً أبو حسن
وقال: سيفي هفا لقتل مجترم

بارز إذا كنت فيهم فارساً حَرباً
وخل عنك طيوفَ الود والعشم

حتى إذا قتلَ الوليدُ فزت بها
مكانة ومقاماً بالغ العِظم

ويْلُمّه رجلاً أضاعَ سُؤدده
بمِيتةٍ كنفوق الشاء والبُهُم

كذاك في (أحُدٍ) أبلى أبو حسَن
بلاءَ محتسب بالله معتصم

إذ جاء (طلحة) واللواءُ في يده
والشركُ إن تلقه باللين يضطرم

أيا (ابنَ عثمان) ارجعْ عن مواجهةٍ
فساحة الحرب للضُلال كالجَحَم

واليومَ غرك دينُ الشرك عُدته
فرسانُه الألفُ فوق الأينق الرسم

وفي النزال التقى السيفان ، أحدُهما
يُمثلُ الحق محبوراً بكف كمي

والآخرُ – الدهرَ – في الأهواء منغمسٌ
أبئسْ بسيفٍ من الأهواء منثلم

يا (طلحُ) سيفك يا دهقانُ مهترئٌ
فادرسْ قرارَك قبل الحزن والندم

وناولَ الضربة القعسا أبو حسن
فشجّ ساقاً ، وسالَ الدمّ كالعَنَم

حتى إذا ظهرتْ للناس عورتُكم
ناشدته بمليك الخلق ، والرَحِم

فكَف عنك قِتالاً كان يرغبُه
أغضى حياءً لأجل الخالق الحكم

وتلك أخلاقُ حرب لا نشاهدُها
عند الطغاة انبروا في كل مختصَم

أبو تراب بدا في ساح خندمةٍ
فاضطرَ أهلَ الشقا لضيق الأجُم

وأعملَ السيف في (بدر) بمن كفروا
فاصطاد عشرين كالغِزلان والغنم

جَندلت (عمْرَ بن ودٍ) في مُنازلةٍ
في غزوة (الخندق) المحاط بالأكَم

ولم تُبال به ولا بصَوْلته
إن النزالَ سجالٌ بين كل كمي

كذا حملت لواءَ الحق في أحُدٍ
حمْلاً يُناسبُ ما يأتي ذوو الفهُم

أعطاكه (المصطفى) حُباً وتكرمة
من واحدٍ خلق الإنسانَ من عدم

وفي غزاة (بني النضير) كنت بها
ليثاً هصوراً يقودُ الحربَ في شمم

قتلت (عَزْوَكَ) والهلكى به فجعوا
وذاق بعد التعدي ضجعة الرجم

وفي (الحُديبية) احتججت أنْ شرطوا
محْوَ اسم (أحمد) مبعوثاً من الحكم

قالوا: اكتب اسمك واسم أبيك وحدهما
أو يُصبحُ الصلحُ منقوضاً من الدعم

ويوم (خيبرَ) كان الباب جُنته
كأشرس الخيل إن عضتْ على الشكُم

ولو تراه لهذا الحصن مقتحماً
ليس الضعيفُ له يوماً بمقتحم

حياته بجهاد الشرك كم حفلتْ
حتى ترفرف دوماً راية السلم

ويوم بويعَ بالخلافة انطلقتْ
روحُ النظام بعهدٍ جد منتظم

هناك في (الكوفة) الخلافة ازدهرت
وأصبحت نظمٌ تأوي إلى نظم

فنظمتْ شرطة تحمي رعيتها
من اللصوص ، وتحمي هيبة الحُكُم

دارُ المظالم كانت كهف مَن ظلِموا
فلا اعتداءَ على الحقوق والحُرَم

فهل خلتْ دولة الإسلام مِن فِتن
سوداءَ قاتمة كظلمة الغسم؟

وتستطيلُ على الخليفة انتقصتْ
مقدارَه فئة تحيا بلا فهُم

وعالجَ الجرحَ بالتقوى خليفتنا
من بعد أن عاش حيناً غير ملتئم

وصالحَ الكل لم يبخلْ بعارفةٍ
تعيدُ بأسَ الهُدى لنوره التمم

وكان يُدركُ أن الذكر منقذنا
من المهالك والقواصم الدُهُم

لذلك استخدم (الدؤليَ) مقتنعاً
حتى يُشكّل آيَ الذكر بالقلم

وواضِعاً نقط الحروف مُفصحة
عن المعاني ، فتغدو الآيُ كالنجُم

وسَكّ درهمَه بالسِلم مصطبغاً
يسمو بأمته عن سائر الأمم

وكان أعلمَ بالقضا وحكمته
وبالقريض وما حوى من الحِكَم

وكان يعمدُ للصدقات ينفقها
على المساكين من كهل ومحتلم

بُشرت بالجنة الخلود ديدنها
وأنت بين الورى تمشي على قدم

وكنت ذا غيرةٍ على النسا عُرفتْ
مَن لا يغارُ بموت القلب يُتهم

وغارَ قلبُك من سِواك فاطمةٍ
عند التسوك إذ تُغيبُه بفم

أردت تقتله لو أنه رجلٌ
وما له دية تُرْجى ولا حُرَم

وذات يوم جمعت الناس في ملأ
وجُدت بالمال تُنجيهم من الإزم

ولم يعدْ بيت مال المسلمين به
شيءٌ من المال ، إذ عانى من العدم

وكنت نظفته قبل الصلاة به
وقلبُك العفُ كم فيه من الرُحُم

هل مثلُ ذلك زهدٌ نستدلُ به
على نجابة أصل السيد العلم؟

وكم أطال صلاة الليل يجعلها
حلاً يُزيلُ الذي في القلب من غُمَم

وعاش يزهدُ في الدنيا ، ويمقتُها
وعنده زخرفُ الدنيا من الرمم

وعندما قدّمَ (الفالوذجُ) اغرورقتْ
عين (العليّ) بدمع جد منسجم

ولم يذقها ، رأى في أكلها ترفاً
عُقباه يوم الجزا الدخول في الجحم

وعندما طعن (الإمامُ) فاجأهم
بقوله فزت عند الله ذي النعم

إن عشت سوف أرى كيف أعاقبه
أو مت كان القصاصُ لأولياء دمي

عقودَك الست قد قضيتها أسداً
ومن يعش عمره كالأسْد لم يُضم

عليك رضوانُ ربي دائماً أبداً
رباه واغفرْ له ما جاء من لمم

فِداك أمي أيا (إمامَنا) وأبي
وبردة نقشت في الطرس بالقلم

© 2024 - موقع الشعر