ليتني بقيتُ أعمى! (خانته زوجته) - أحمد علي سليمان

ليتني ما زار عينيّ البصرْ
لحظة مِن بعد ما عزّ النظرْ

نعمة كان العمى في عالَم
بالدنايا والمخازي يفتخر

كنتُ محجوباً عن البلوى التي
عاينتْ عينايّ في أخزى الصور

لم أكن أدري ، فكانت عيشيتي
بهجة زينتْ بأطياف السمر

عيشة لمّا يُخالطها أسىً
أو تكدّرها دياجيرُ الغِيَر

لم يشُبْها مِن عذاب أو جوىً
لم يعكّرْ صفوَها يوماً كدر

كل ما حولي ظلامٌ دامسٌ
وأنا - خلف الدياجي - مستتر

أرقبُ الظلماء ليلِي والضحى
قانعٌ بالحال راض بالقدر

مُوقنٌ أني بأهنا عيشةٍ
رغم دمع القلب مِن فقد البصر

أبذلُ الخير لمَن حولي وفا
ناشراً فيهم ودادي والبُشُر

مؤثراً غيري على نفسي بلا
مِنةٍ - بين البرايا - تُحتقر

رابضُ الجأش يُقوّي همتي
كل أجر عند ربي أدّخر

أحسبُ الزوجة ترعى حُرمتي
حِسبة عند المليك المقتدر

تتقي المولى ، وتخشى ناره
إن تقوى الله تُنجي مِن سقر

إن تكنْ عيني تلاشى ضوؤها
بعد ما كانت تُعاني مِن قِصر

فالرقيبُ الله يا زوجاً زهت
بالمعاصي ، واستهانتْ بالعِبَر

لبستْ للخِزي أشقى حُلةٍ
وأزالت ما لديها مِن سُتُر

واستكانت لتحدي شهوةٍ
أورثتها السيرَ في درب الغجر

خطتِ الدنيا - لها دربَ - الهوى
فاقتفت طوعاً - على الفور - الأثر

واستغلت عجز أعمى ظنها
في دجى أيامه أسنى قمر

وصديقي قام بالدور الذي
صاغه الشيطان لِعْبا بالبشر

خان ودي السجايا والوفا
والوصايا المستبيناتِ الغُرر

لو أتاني خُبْره مِن صادق
لا ، وربى لم أصدّق ذا الخبر

وإذا بابني على ما لي سطا
نافضاً كفيه مِن كل الحذر

كيف يخشى من كفيفٍ غافل
أزهُ الشيبُ ، وأعياه الكِبر

أو مِن الأم انزوتْ في غرفةٍ
لحبيب القلب ليلاً والسحَر

ليتني عشتُ كفيفاً غائباً
عن متاهات البلاء المُستعر

ليت أهل الطب لمّا يُفلحوا
في مُداواة الكفيف المنكسر

ليتني لم ألتمسْ في عِلتي
مَن هداني للعلاج المنتظر

ولذا آثرتُ مُكثي في العَمى
جُنة مِن كل بؤس أو ضرر

© 2024 - موقع الشعر