فإنها لا تعمى الأبصار! (أعمى ويغني) - أحمد علي سليمان

عجبَ الشعرُ من القوم العمينْ
يشترون – اليوم – دنياهم بدينْ

حرّفوا الشرع ، فسادتْ فتنة
وابتغوا مرضاة أخزى المجرمين

زهدوا في الحق ، فانجرّوا إلى
باطل يُفضي إلى رَيب المنون

واستكانوا – للطواغي - جُملة
ثم ساروا حسب الريح السفون

لم يكونوا وحدهم في سيرهم
بل خِلاف العِير آلاف العمين

فتنة سادتْ ، فلو قيل: انظروا
لرأينا – في لظاها - الأسفلين

كم أضلوا الناس حتى ينعموا
بعطا الطاغوت حيناً بعد حين

كم أحلوا من حرام رغبة
في رضا الطغيان ، ويح الهازلين

كم أشاعوا الجُبن سَمتاً يجتني
زهرة التقوى من الجيل الرزين

كم تردّوا في سراديب الريا
والريا يجعل في النفس العفون

كم أحالوا العيش تطويعاً ، فما
هُدِيَ الناسُ الرشادَ المستبين

كم أضاعوا من حقوق وجبتْ
لأناس نشدوا الحق المبين

كلهم يرجو اغتناماً بارداً
قد خلا مِن كل أصناف الفتون

وابتلينا بكفيفٍ مُفلس
مُغرم القلب بألوان الفنون

لا ترى العينُ ، ولا القلبُ يرى
أيها المفسودُ خانتك الظنون

قلبُك الخالي مِن الذكر خبا
نورُه ، فانساق في دنيا الرنين

والأغاني عشعشت في لبّه
فأحالته كما البئر الشطون

شطن النورُ ، فأغراهُ الدجى
واستساغ المُفتري العيشَ الدجين

وارتضى القينات عنواناً على
أنْس عبدٍ يألف الأكسيروفون

دندناتُ العود تشجي روحه
وله شوقٌ إلى هز البطون

وطبول العهر تسبي سمعه
ورِدا القينات أودى بالعيون

والبيانو غمر الصب شجىً
واستمى الأرغول في سمع الزبون

وانبرتْ قيثارة الشدو له
تصبغ اللحن بترجيع الطنين

وإذا (زريابُ) يدلي دلوه
ونشوز الصوت يأبى أن يلين

(موصلي) الرجع ، مرتج الصدى
مرسلاً صوتاً يؤز السامعين

أيها الأبله أشمت العِدا
إذ تحديت جموع المعجبين

كنت - في أشياعهم - كبش الفِدا
بعدما أشهرت لوثات الجنون

تبْ إلى الله ، وأحسنْ ، واستقمْ
إنما الرحمنُ مولى التائبين

واندم الدهرَ على هذا الغنا
كيف تهذي مثلَ أشقى المطربين؟

© 2024 - موقع الشعر