لقاؤنا في المحكمة! (غريّب القحطاني) - أحمد علي سليمان

ربحَ العطاءُ اليوم بالأضعافِ
سبحان من قبِلَ العطا ليُكافي

درسٌ لكل مُقتّر ، أمواله
عَزتْ عليه ، فعاش دون كفاف

وجَهيرُ موعظةٍ تُفطّن مَن وعَى
ليعيش في عِز ، وفي استشراف

وجميلُ تبصرةٍ تداعبُ سامعاً
يسعى لمَرضاة الإلهِ الكافي

وعظيمُ ذكرى يستضئُ بنورها
شهمٌ يتوق لسُؤدَدٍ وطِراف

وبهي تذكرةٍ تهيب بمن غفا
فانساق نحو الشحّ والإرجاف

وجليلُ تنبيهٍ يعيذ مَن ارعوى
للخير أن ينأى عن الأسلاف

إن (الغرَيّب جاد ينشدُ أجره
وثوابه عند المليك الشافي

لم تغره الدنيا بزخرفها الذي
يصبو إليه الناسُ بالآلاف

لم يستشرْ أحداً ، ولم يكُ وانياً
بل جاد جودَ الروضة المئناف

لم يأل جهداً في مساعدة الورى
بمحبةٍ وتراحم وتصافي

لم يتخذ لغة النقود وسيلة
ليُذل خلق الله بالإجحاف

لمّا يقلْ عندي التزاماتٌ طغت
أأقابل الطلبات باستعفاف؟

لمّا يقلْ: إن الحقوق كثيرة
ماذا تفيد حَصيلة المُستاف؟

لم يشكُ حاجته لأسرة مَن قضى
مِن أمّةٍ تُعْنى بشأن ضعاف

لمّا يُعرّضْ بالتكاليف اكتوى
بسعيرها وأوارها المتجافي

لمّا يقل بيتي ، وذا إيجاره
إيتوا به ، دعكم من استخفافي

بل قال: لقيانا القضاءُ مَصيرُها
حُكمٌ بلا نقض ولا استئناف

وهناك تمتلكون بيتاً عامراً
من حوله برجتْ قرىً وفيافي

لمّا يعُد للبيت قط مؤجرٌ
مُلاكُه رئبالة الأشراف

فاستمتعوا بالبيت صرتم أهله
ما عاد يَدمغكم جَوى استضعاف

وتفيأوا ظل الشرافة في الدنا
وعليكمُ فيها الجلالُ الضافي

واستصحبوا أرج الكرامة في الورى
واستشعروا دفء الإخاء الوافي

واستكثروا من حمد رب خصّني
بالفضل والإحسان والإنصاف

وتمثلوا الأخلاق دين محمدٍ
ومِن الهوى قولوا: اشفنا يا شافي

وتذكروا فضل الإله لتُحسنوا
لمن اتقى الإحسان نبعٌ صافي

فلتبذلوا – للناس - خيرَ عطائكم
حتى يسود هنا الودادُ الكافي

أنا يا (غريّبُ) أحتفي بصنيعكم
وأصوغه شعراً بخير قوافي

وأجلّ همة باذل متصدق
أسخى - على الفقرا - من الرجّاف

أسخى من الريح التي إن أرسلتْ
لمضت بشر حجارةٍ ولِخاف

ولذا خصصتك بالقصيدة مُطرياً
بأمادح فيما ذكرتُ لِطاف

خمسون بيتاً ، زدن خمساً أحكمت
ندّتْ عن الإكفاء والإصراف

بقصيدة شرفتْ بطِيب فِعالكم
سعدتْ بسبك النظم والألاف

وحبكتُ في هذي القصيدة فكرتي
أطري العطاء بنبرة الإيلاف

واخترتُ كامل بحرها ليزينها
ويزيد صنعتها قوىً وعوافي

ثم انتخبتُ مُحللاً ألفاظها
بتفاضل وتوازن وتكافي

وأردتها حَولية قِيمية
لم تحو – في التنظير – مِن إلحاف

تختالُ كالطاووس ضمّ زخارفاً
لمعتْ بهن قوادمٌ وخوافي

وطفقتُ أوسعُها صَدىً ويُنوعة
وأخصّها بالمَدمع الذراف

أبكي على القيم الأصيلة فارقت
والجودُ أمسى نائيَ الأكناف

من بعد أن غدتِ الدراهمُ قِبلة
إذ أصبحت كاللات ، أو كإساف

عُبدتْ ، ودان لها قطيعٌ شاردٌ
سكنتْ ضمائرَه وكل شِغاف

فإذا أنا بابن الحَبابيّ انبرى
ليعيد - للأيتام - كل عفاف

ويعيد للأم الكسيرة عزها
والله يعلم وحده بالخافي

ويقولها: فلتأمني ، يا أختنا
أنا ما غشيتُ دياركم لتخافي

أنا ما طرقتُ الباب حتى تجزعي
أنا ما أتيت أثير أي خلاف

بل جئت أخدمكم ببعض مروءتي
وببعض حق المعدمين أوافي

وأسوق مَكرُمة تأخر وقتها
مَرعية الأغراض والأهداف

جلت عن النفع الزهيد وأهله
وتنزهت عن سيئ الأوصاف

وأردتُ وجه الله ، هذا مقصدي
واللهُ أخلفَ غاية الإخلاف

وإذا الملايين الدراهم خصصتْ
إن المهيمن بالمَزيد يُكافي

هذي الملايين الدراهم عشرة
وهناك مليونٌ بلا إيجاف

والفقر زال عن الجميع أنا وهم
والذكرياتُ تمرّ كالأطياف

والحمد للمولى ، هداني للعطا
حتى يبارك مِنحتي ، ويُكافي

© 2024 - موقع الشعر