لا صلح على دخن - أحمد علي سليمان

إن بيني وبينكَ التنزيلا
لستُ أرضى - عن هدي ربي - بديلا

كم مللتُ الحياة وفق هواكم
إن مثلي ، لا ، لن يعيش ذليلا

كم كرهتُ المقام بين ذئاب
تخذتْ - من ظلم الأنام - سبيلا

كم لفظتُ الأرحام تغدو سيوفاً
وشقاءً مُستقبحاً مرذولا

كم شجبتُ التجريحَ منكم مراراً
وقشعتُ سِتاره المسدولا

كم سترتُ خِزياً يُشينُ كِراماً
واحتملتُ عذابَه المَخبولا

كم رأيتُ الحقوق تُذبَح جهراً
وذووها لا يُمْهَلون قليلا

كم رأيتُ الأخلاق توأدُ فيكم
ورأيتُ مَن يُطفئ القِنديلا

كم رأيتُ مبادئاً تتردى
وعيوناً عن كل خير حُولى

كم رأيت – بين الأنام - صريعاً
من لظاكم مستصرخاً مغلولا

كم رأيت – على البسيطة - طفلاً
مستغيثاً مشرّداً مخذولا

كم أثرتم – بين الخلائق - حرباً
كان فيها جُرمُ المصاب وبيلا

كم سفكتم دماء كل برئ
من دماه أمسى الثرى مبلولا

كم رميتم – بالموبقات – حَصاناً
كم أهنتم مُكرّماً بُهلولا

كم هتكتم عِرضاً عن الكيد أغضى
ثم أضحى – مِن مَكركم - مَثكولا

كم فقأتم عيناً بسكّين حقدٍ
ثم أمسى إنسانها مسمولا

كم جَدعتم أنفاً بدون احترام
وجعلتم تقطيعها تنفيلا

كم لعنتم مِن مُؤمن دون حق
وأحلتم معلومَه مجهولا

ليت شعري ، كيف افتريتم علينا
وخدعتم – بالترّهات – الجيلا؟

ليت شعري ، كيف اجترأتم ، ففقتم
أيها الحمقى – في الأذى – قابيلا؟

آه من كيدٍ للصعاليكِ عاتٍ
قد تمادى في غيّه ممقولا

آه مما قد يفتريه لئامٌ
أصبح المكرُ جامحاً ضِلّيلا

أعلينا تحدّث الناس زوراً
وتحلّي خِداعكَ المَتبولا؟

أعلينا تشن حرباً ضروساً
وتُناغِي حُسامكَ المسلولا؟

هل رخصُنا ، حتى تبيع وتشري
وتُمنّي غرورك المختولا؟

خففِ الكيد ، نحن بالنذل أدرى
ليس ما يأتي المُفتري مغفولا

نحن أدرى بالأفعوان ، فأقصرْ
والتجني ، لا ، لن يدوم طويلا

لا تُؤملْ صلحاً يُشوّه حقاً
ليس هذا – عند الورى - مقبولا

يُثمر الصلحُ ، إن نبشت جراحاً
وكسحْت صديدَها المطفولا

ذاك شَرْطي ، وما اشترطتُ هراءً
وأراه يُوافق التنزيلا

إن صلحاً يستهدف الحق صدقاً
لا كصلح يستنوق التمثيلا

حبذا الصلحُ إن أعاد حقوقاً
كُبلتْ – عند المُعتدي – تكبيلا

حبذا الصلحُ إن رأى العدل درباً
ورأى إرجاعَ الحقوق رسولا

حبذا الصلحُ إن أطل علينا
بالتراضي مُفصّلاً تفصيلا

حبذا الصلحُ منهجاً وطريقاً
وانفتاحاً – بين الورى – مأمولا

لكنِ الصلحُ دون كشف الخبايا
يُفعم النفسَ حسرة وخمولا

فتعلّمْ أنْ لا تصالح عبداً
قلبُه أمسى – بالجوى - مدخولا

لستُ أدعو إلى الخلاف ، كفاكم
عن حياتي تخرّصاً ومَقِيلا

كم بذلتُ الخير الذي لا يُبارى
وعطائي الفيّاضُ كان دليلا

لم أؤخرْ نصحاً يُقيم اعوجاجاً
وعَجلتُ ، لم أصطنع تمهيلا

وأرادوا زعامة ، قلت: مرحى
وأراني فضلتهم تفضيلا

فإذا بالمعروف يُهدَر عمداً
ويُوارى – تحت الثرى - متبولا

ويكون ردّ الجميل هواناً
وسِباباً مستقذراً منحولا

ويُجازى الإحسانُ شراً وهضماً
ويُقاسِي أربابُه التنكيلا

لستُ أدري ، فيم التجني علينا
فنعاني الإجحافَ والتزميلا؟

ولماذا نكرانُ كل جميل؟
هل غدا نكرانُ الجميل جميلا؟

كل فضل يُجزى بسَب ولعْن
وعديمُ التقوى غدا مفضولا

كل هذا – صِدقاً – كثيرٌ علينا
عِوَجٌ هذا ينشد التعديلا

وانحرافٌ عن الصراط وربي
كم تحدّانا أنفساً وعقولا

واستباحَ الأخلاقَ في كل درب
وتمادى – في الترّهات - طويلا

خانه تقديرُ الأمور ، فغالى
ثم جافى ، إذ أخطأ التأويلا

ويريد صلحاً بدون شروطٍ
كفه مُدتْ تشتهي التقبيلا

أيها المخدوعُ المفتنُ ، فكّرْ
واهجُر النجوى ، واطرح الإكليلا

وتمعّنْ فيما اجترحتَ ، وزنهُ
لا تؤملْ - عن فعل ذاك - بديلا

عُلّقتْ أحداث التعدي بصلح
وارتجى الصلحُ منطقاً معدولا

إنه الحق بيننا ، ليس إلا
ورحى العدل تطحن التخييلا

لا أريدُ صلحاً بدون التصافي
أو لقاءً بشبهةٍ موصولا

يزعم الناسُ أننا جدّ أهلٍ
فلماذا أضحى الرباط هزيلا؟

ولماذا هذي الوشيجة زالت
ثم أمسى ضميرُها معزولا؟

فلئنْ كنا جَد أهل ، فأنصتْ
لكلامي ، واستبعدِ التسويلا

إن قولي فصلٌ ، وليس بهزل
بات مما لاقيته مجزولا

وأراكَ الكذابَ تطفح زوراً
أنت أخزى فعلاً ، وأكذبُ قِيلا

لمَ تخشى من اللقاء؟ أجبني
بات لغز ما تدّعي محلولا

أنت تسعى لكي تكون مُطاعاً
ومُهاباً نهدي لك التبجيلا

وترى مَن أنجبتَ بعض مُلوكً
وترى الزوجَ بيننا العَطبولا

أيها الغِر زايل الكبر هذا
وتحللْ مِن رجسه تحليلا

واقرأ التاريخ المَرير جلياً
وترسّلْ - في درسه - ترسيلا

إن بسطت كفاً تريد انتقاماً
وسللت لسانك المصقولا

فأنا (هابيلُ) البرئ ، فغامرْ
مَن يُباري – في خلْقه – (هابيلا)؟

ثم كن من أصحاب نار تلظى
وتبيت - في دَرْكها - ممقولا

حسبنا الله المستعان ، ويكفي
ربنا خيرٌ كافلاً ووكيلا

© 2024 - موقع الشعر