لا تنبشي الماضي - أحمد علي سليمان

مِن أجل مَن هذه الدموع أخيتي؟
ألأجل أني راحلٌ؟ فأنا لها

الدمع ثبّط همّتي ، فتمهلي
وترفقي ، خل الدموع لوقتها

أولى بدمعك أن يكفكف عبرتي
فغداً ترين النور في سُبُحاتها

نوراً يذيب قساوة وغشاوة
وكذا يذيب دجىً برى قنواتها

إني احتسبتكِ عند ربي فتنتي
فلتصبري ، ولتقشعي أحزانها

إن المنايا تحتويك ، فحاذري
أن تُغضبي رب السماء لأجلها

أنا يا أخية لست أبغي عَبرة
في غير موضعها ، ولا أوقاتها

دربُ الجهاد طويلة ومريرة
لا بد نزْكِي يا أخية نارها

كيما تزكَّي روحَ قومٍ نوّمٍ
زعموا الجنان ينالها نوامها

إن الجنان ينالها مَن رامها
مَن يحمل الهندي يقتل أبرها

لا ليست الجنات تدرَكُ بالهوى
أو بالنعاس أو الكلام ننالها

والحُور إذ يُخفي الجمالَ ضياؤها
فلقد قصِرن لنا ببطن خيامها

أنا يا عزيزة ما ابتغيت مكانة
أو عز نفس عنتري فارها

إن كنت أدفع في المقابل عودتي
وعقيدتي ، فرجولتي ودّعتها

وأنا إذن قد لاصقت روحي الثرى
ونذالتي في الناس قد أعلنتها

قومي اذكري أمسي وليلى والضحى
كم ركعةٍ صليتُ أبغي أجرها

أنا لا أريد المنّ أو ذكرى بحل
و فضائل ، بل أعقد الذكرى بها

إن الذي فرض الصلاة بشرعه
أوصى بأن قوموا اشكروا رحمانها

فإذا الصلاة تريحنا ، بل تنطوي
أتراحنا فيها ، وتذهب بأسها

وإذا الصلاة سبيلنا ، وملاذنا
ونقيمها لنردّ وعياً تائها

كم ذا سهرتُ أسجل النفحاتِ للأ
حباب - عبر الليل - أرجو أجرها

وأراك تمتعضين ، والليل انقضى
فيم امتعاضكِ؟ يا أخية مَن لها؟

أوَما دريت أخيتي أن الأخو
ة تقتضي محض ابتلاء أولى النهى

وأقول: يوماً تذكرين رطيب أي
ام مضت ، والكل زايل قربها

وإذا التشاكي والتنائي مزقا
ني ، ليت شعري ، أين مني أنسها؟

يا ليت شعري كيف تقضي وقتها؟
أتضيع الأوقاتِ تهدم عمرها؟

وتقول: ما أخذ الألى سبقوا شياً
ماذا سنأخذ من وشيك فنائها؟

هذا كلام العابثين الجاهلي
ن ، فلستِ منهم ، أنت من إنسانها

ولكم ذكرتُ الليل ليلك في تقىً
أتنسم الأنسام عبر سكونها

والبيت كيف البيت بعدي يا ترى
ثمِلاً ، حزيناً ، نرجسياً ، تائها؟

فيه الستار ترهلتْ وتبعثرتْ
والعنكبوتُ تكاثرتْ ، تعساً لها

فيه الأبالسُ خيمتْ ، لا ذكر يم
نعها ، ولا قرآن في أركانها

فيها اندحار فضيلة وعلو نا
ئبة ، وفي أوكاره شيطانها

عتبي عليك أخيتي ، أين الحجا؟
ما عاد يحكم دارنا منانها

ما كان ذلك عهدنا ، ما كان ذا
ك توقعي ، عجباً لأمر كلامها

قالت: أصون البيت بعدك صاحبي
كانت كمن نقضت بحمق غزلها

قالت غداة الأربعاء أصونه
وإذا بها في الليل تهجر دارها

ما خِلتُ زوجي هكذا أخلاقها
تركتْ لديجور الهواجس بيتها

ما خلت أنك تحنثين بعهدنا
يوماً سيسأل ذي الخلائق ربها

إن كان قد وفتْ فخير ما أتتْ
أو كانت الأخرى فشر مآبها

ما زلت أذكر من رطوبة دارنا
بعروق أخشاب تناغي سقفها

بنوافذٍ طلعتْ كشمس أشرقتْ
بأرانب ، والله يعلم حالها

بحوائطٍ ، ووسائدٍ ، وستائرٍ
بدجاجها ، مَن لي بعذب ضجيجها

بشرائطٍ ، بنقيع أمطار بها
بكلابها ، من لي بصوت نباحها؟

بصغارها ، حيث الدروسُ وبذلها
وحصيرة حضرية ، سُقيا لها؟

دراجتي ، كيف اعتلاها الضيمُ بع
دي ، كيف ساءت ، ثم نام إطارها؟

من يمتطي بعدي بغير الإذن من
ي في غيابي بالتطاول ظهرها؟

داري ، وأهلي ، والطفولة والصبا
يا ويح داري مِن غزير شتائها

خبز وملح ، ثم فرضٌ بعده
والآي أي الذكر تملأ جوها

لكأن سحر الآي ألمسه وتع
رفني – كما الخلان – حقا آيُها

وتكاثر الضيفان يُتحف دارنا
أكرمْ بهم زادوا الديار تنزها

يا ليت شعري ، والكريمة زوجتي
أخذت تعد الشاي ، يبسُم ثغرها

مسكينة زوجي بغير عزيزها
ما عاد يدخل دارنا أضيافها

ولئن نسيت فلست أنسى زوجتي
وحياتها ، واهاً لفرط بكائها

أو قد نسيتُ فلستُ أنسى حزمها
ببراءة الأطفال تعلو رأيها

سبحان من صاغ الوداد مع التقى
باركْ إله الناس فيها دينها

وأزح ستار الجهل عنها ، واهدها
واحفظ عليها من عبيدك عِرضها

وتولها ، أنت القوي ، فقوّها
وإذا مرضتُ فأنت تشفي ، فاشفها

واغمر فؤاد حليلتي في ظل طا
عتك التي أرجو وفير ظلالها

ما كنت أحسب يا أخية أنني
تهتاج نفسي بعد طول عذابها

حتام ترحمني طيوفك من أسى
نفسي ، ومن أتراح ذل شجارها

هل تذكرين بكل صدق عواطفٍ
عهد التقى ، والأمسيات ونورها؟

وأقول في نفسي ستذكرني إذن
ويمر طيفك ناسياً أفكارها

وأظن قلبك ذاكراً بعد الملي
ك سرورنا ، بالتضحيات وحلوها

ورأيتني والقلب من شوق يف
تُ حُشاشتي ، ويحزّ في أعطافها

صبراً أخية في طريق كفاحنا
فالنفسُ مفعمة بحب نضالها

الله مقصدُها ، وأحمد قائدٌ
والله قد أوصى بصفّ رجالها

لكن رجال رُبّيتْ في دار أر
قمَ عُلمتْ وتفهمتْ إسلامها

ليسوا رجال شواطئ وشوارع
والجاهلية أنشبت أظفارها

هي صرخة للحق موتٌ بعدها
وقصورُ كسرى والقياصر دونها

هل تذكرين أخيتي ما قلت يو
مَ زواجنا؟ مازلت أسمع رجعها

قلت: اعلمى أن المجاهد يرتوي
بدمائه ، دوماً ليشهد نصرها

أنا لست عبدَك يا أخية ، إنما
عبدُ الذي وهب النفوس حياتها

ولئن نسيت فلست أنسى صحبة
هي في ضمير الغيب سام عطرها

وأراك تشتاقين للأخوات في
شوق ، وفي ذكرى شجىً ، أكرم بها

أكرمْ بعهد أخوة ، الله با
ركها وبارك عهدها ، وإخاءها

كم كان يُسعدني ذهابي عندهم
أبغي التئام الشمل في جنباتها

والندوة الشمطاء في عصر الدجى
ما كان يُطربني هزيلُ كلامها

وأظل أنتظر النهاية مُجهداً
أتنفس الصعداء حين سماعها

رباه فاغفر يا مهيمن حوبتي
إن كان أغتاب الذي يأتي لها

لكنه رباه لا يبغي وضو
ح الدرب ، أو حتى يريد بيانها

وسَمعْته يغتال آيات الكتا
ب ، ويزدري رغم الأنوف بناءها

متنكباً سبل الهدايه زاعماً
أن التنكب فيه كل صلاحها

متنطعاً يهذي بغير هوادة
لو كان قد ترك النياق لربها

ما كان يسقط قط من أنظارها
بل كان يعلو فوق هام ربابها

ولكان فوق الرأس يسمع يهتدي
كيما تُعلم أخته توحيدها

أما المناسكُ فالذين مضوا إذن
أدوْا لرب الكون حقاً جُلها

لو تطرق التوحيد كنت أخى هُدىً
ولتابعتك حليلتي آتي بها

ولقد أتاك نتاج وحل حضارةٍ
النص ديدنها ودينُ جميعها

والعُري والعُهر اللذان أراهما
وكذا الخضوع بكل نبرة صوتها

ما هكذا خلق يريد فضيلة
أبداً ، ولا شيم الحيا أدركتها

من كان ساقطةٍ تناست ثوبها
وتفننتْ في الكشف عن عوراتها

نست ارتداء ثيابها وحيائها
وأرى حديثك في قليل صلاتها

ما ذلك الخبلُ الذي أودى بنا؟
إن النصيحة بُددتْ مِن أصلها

إذ يحملُ الجهالُ مفتاح الريا
دة ، هل يُرَجّى للفضيلة بعثها؟

ما دام لا تدري ولم تقدر فدعْ
والله يُخلفُ مَن يقود زمامها

وأعود أهمس في فؤادكِ همسة
أترين شيئاً في شكاتي شابها؟

أم إنه الحق المبين درسته؟
والناسُ لا تصغي إلى داع لها

وعلى الخليج أراكِ في أحجارهِ
وصخوره ورماله ، أجملْ بها

وأراكِ لؤلؤة على شطآنهِ
مزدانة ، والدُرّ يعلو ساحها

كنضارة الأصداف كانت صورة
وكما النسيم أشم عطر عبيرها

هي فتنتي ، وأنا أؤمل أن أرى
أيامها ، والنورُ يغمر أنسها

يا ليت شعري ، كيف أمري دونها؟
يا ويح قلبي ، قد نأت أخبارُها

مَن ذا يُخبّرني ، يُطمئنني إذن؟
كيف الطريق إلى نديِّ فعالها؟

أضحتْ أمورُ حياتنا شعراً يُرى
والأمنياتُ تعثرتْ أقدامُها

فالإلفُ في وادٍ ويحيا إلفه
في آخر ، عيشُ العبيد فمَن لها؟

والشعر ويح الشعر شط به النوى
ما عاد يُثمر في مهاوي بُعدها

ومِداد أقلامي أراه يمُجُني
ويقول: دع هذي الكروب لأهلها

وامرحْ ، ودعْ عنك التشاكي ، وابتسمْ
قمْ ، والتمسْ تقوى المليك وخيرَها

وأعود أبكي في مَرارٍ زوجتي
وأقول في الخلوات: كيف تركتها؟

في المُهلكات طرحتها ورميتها
ويحي ، هناك بأرضهم وطعنتها

يبكي وصوت نحيبها في مسمعي
وأنا الذي بفراقها دمرتها

ما كان ضرك لو رضيتَ بما أتى
وظللتَ تدعو مَن أتاك مُتوّها

يا عيب إلفٍ أنت مِن متمردٍ
ولنعم زوجٌ هذه لحليلها

أختاه جدّي واستعدي ، واسألي الر
حمن غفران الذنوب ورجسها

قومي اقرئي الآيات قبل الفجر ، بع
د العصر ، عند الليل في خلواتها

واللهِ مالكِ غير ربي ناصراً
في زحمة الأوهام أو في ليلها

ودعي قلاع الشر للفساق ته
وي في الحضيض ، وفي دجى أدرانها

ودعي كذلك كل بيتٍ تعبد الأ
صنامُ فيه ، ولم يكن متنزها

قد صورت فِسقاً ، وعُهراً يُزدرى
وطيوف دعر أستحي مِن ذكرها

ما بين بائعةٍ لعِرض والحيا
ويقول داعي القوم نبغي درسها

ماتت ضمائرهم ، ومات حياؤهم
وتشدقوا بالموبقات وفسقها

واهتاج في وضح النهار خليعُهم
هذي فنوني ، والتدني زانها

نطقتْ بذلك في جلاءٍ أغنيا
تُ القوم ، والأفلامُ هذا سمتها

دعرٌ هنا ، وهناك سادت ردة
بل وانتهاكٌ للحرام بأرضها

لا عذر يا أختاه عند الله للأ
قوام ، بل هي فتنة وسرابها

لو طبقوا هَدي المليك بدارهم
لانزاحتِ البلوى ، ومُجّ بلاؤها

ولما وجدت اللافتات العاريا
ت على حوائط واجهات بيوتها

لو آمنتْ هذي الديارُ لكان أنْ
نمت الفضيلة واحتوتْ أفرادها

ولما وجدت المارقات على الشوا
طئ والكلاب النهم تأكل صَيْدها

ولما وجدت ذوي الوجاهةِ كرموا
في كل عيدٍ ثلة مِن غِيدها

فدعي أخية كل بيتٍ عابثٍ
ودعي الديار وأهلها في غيّها

مادام قد فرحوا بما نسجتْ لهم
أيدي الأبالس من عتيِّ دمارها

إن كان يُمْتعهم رقيعُ مناظرٍ
فأراك يُمتعكِ اشتهاءُ خرابها

وأراكِ يسعدك الجليلُ بحبه
وبآيه ، لا يدركون صنيعها

إن كان أبكاهم أليمُ مشاهدٍ
وخليعُ أفلام تبدى عُريُها

فأراكِ يبكيكِ الجحيمُ بأهله
وأراك تبكين النفوس وهزلها

وأراكِ تبكيكِ القيامة حسرة
وأراكِ تعطيك القيامة درسها

هذي أحاديث البشير قرأتها؟
أم في الكتاب على السرير تركتها؟

وكتاب (عائشة البريئة) دونه
كتبٌ وأسفار كذاك وضعتها

وخرجتِ تلتمسين أنساً دونها
واللهِ ما لك مِن أنيس غيرها

عودي إليها يا عزيزة إنها
بعد المليك رفيقة ونبيها

صلى عليهِ الله والصحب الألى
ضحَّوْا بما اسطاعوا ليعلوَ دينها

مَن ذا يعين النفس بعد الله في
هذي القِفار المُعدمات وأهلها؟

وأعود أذكر للكِرام جميلهم
في واحة الذكرى وفي تحنانها

أكرمْ بخِل وشيجةٍ في غربة
وأبو سِنان مقصدي بصريحها

مِن غير ميعادٍ تقدم خصَّني
بأخوةٍ مُزجتْ بحب لوائها

وهنا على أرض الخليج يضمنا
نور الهداية ، والتناصحُ سمتها

كلٌ يؤاخي خِله في رقةٍ
ما أعذب الإخلاص في ألوانها

وأراه يؤثرني ، ونؤثر غيرنا
هي روح توحيد ، ويكفي ذكرها

ويظل يرفق بي ، يرحب بي هنا
من ساعة اللقيا هناك بساحها

في الحق أسمع صوته في قوةٍ
فتعود ذكرى في فؤادي وهْجها

يبني النفوس ، يقودها ، ويردّها
للحق في ثقةٍ تدك غرورها

حان الختامُ أخيّتي ، وكفاكِ ذا
عن رحلتي ، وكذاك عن أحوالها

إن كان يأتيكِ الذي يغتابني
يغتال إخلاصي ، يقول: نسيتها

قولي: خسئتَ ، فذاك حبٌ صادقٌ
لا جاهلية ، ليس حباً شائها

هذا حبيب القلب حكّم ربه
يوم انتقاني زوجةٌ يسمو بها

والله بارك حبنا في دارنا
قمْ يا غراب البين ، فارقْ ساحها

وغداً سيجمعنا اللقاء على الوفا
وتدوم عشرتنا ، ويحيا وصفها

للهم أسالك الهداية والتقى
وجنان عدن ، والأليف جوارها

بارك إله الكون زوجاً رَدَّني
للحق ، للتقوى ، لعذب جنانها

واختمْ إله الخلق بالحسنى له
وأقبل دعائي وانكساري النابها

فلعله يُمحى به ما قد مضى
من جاهلية عمرنا ، سُحقاً لها

ها قد ختمتُ رسالتي ، فوصيتي
تقوى المليك ، وأي شيء بعدها؟

ثم اعتصامٌ بالإله ، وعزه
وقراءة الآيات تتلو بعضها

وكذاك غض الطرف عن كل الأذى
وصيامنا ، ثم الصلاة لوقتها

ثم الدعاء لنا بقلب مخلص
حتى يُعين النفس هذي ربها

ثم الصلاة على النبي المصطفى
هادي الخليقة لاستقامة دربها

ثم السلام على من اتبع الهدى
من أهلنا ، ورفاقنا ، ونجوعها

وجوابكم حتى تطيب نفوسنا
ويشدها نحو الكتابة شوقها

وإذا الردود كما الحصى ، يا سوأتى
وكما الزلازل والمنايا وقعُها

وأتى الخطاب وشاقني عنوانه
دمرتُ نفسي ، واقتلعتُ حصونها

ومضيتُ أهذي ، والهمومُ ترجُّني
والنفس غاصت في فيافي طيشها

ونظرتُ حولي ، لم أجد إلا أنا
ورفعتُ رأسي للخبير بحالها

وعمدتُ فوراً للصلاة لعلني
أطفي جوى روحي ، وأمحق نارها

وأخذت قرآني بساحة مسجدٍ
وقرأت (طه) ، واهتديتُ بنورها

ورجوتُ ربي أن يُعافيَ زوجتي
ويشد أزر حليلةٍ في كربها

© 2024 - موقع الشعر