عندما تثمر التربية - أحمد علي سليمان

بذلتُ العِلمَ أرضِي ذا الجلالِ
بإخلاص يفوق ذرى احتمالي

ولم أبخل بنصحي ذات يوم
وراقبتُ المهيمنَ في العِيال

وعِشتُ لهم مثالاً في السجايا
وبعضهمُ اقتفى أثر المثال

وأدّيتُ الأمانة ، لم أخنها
فضاءتْ كل أعوامي الخوالي

ورسَّختُ المبادئ في زمان
ثوتْ فيه المبادئُ والمعالي

وأرسيتُ الفضائلَ ، أنتقيها
وأصّلتُ الأصولَ ، ولم أبال

وأعطيتُ الكثيرَ أريدُ جيلاً
قويَ البأس معتز الخِلال

فكم ناولتُ من عِلم وفِكر
أخافُ سؤال ربي ذي الجلال

وكم أسديتُ معروفي رضياً
لكي يصِلوا إلى أوج الكمال

إلى أن قيل: نأخذهم بعيداً
لنسعدهم ببارقة ارتحال

ولكن بالنقود لكل آتٍ
بلا جبر ، ولا أدنى انفعال

ومن لم يستطعْ فالبيتُ أولى
به من أن يناورَ في الجدال

وعنّ لنا صبيٌ قال: أرجو
مشاركتي ، ولكنْ دون مال

فليس أبي الفقيرُ بمستطيع
وليس بجُعبتي ظِل الريال

فقلتُ له: أنا أعطيك خمساً
أنفذ فكرة خطرتْ ببالي

لأني كنتُ مثلك ذات يوم
وأيامي مضتْ ، وكذا الليالي

ألوكُ الفقر يَدمغ كل عيشي
وكم عانيتُ كالرق الموالي

كمثل أبيك عاش أبي مُعِيلاً
وأعجز حِمله أقوى الرجال

وجرّعنا التحمّلُ كأس ذل
ولم نعمد لمبدأ الاتكال

وواجهنا الحياة بكل بأس
ولم نذعن لمِقصلة المُحال

ركبنا الصعبَ نحتالُ احتيالاً
على عيش يَرُوجُ بالاحتيال

بُنيّ اقبلْ ريالاتي وعطفي
وأحسنْ في مقالك والفِعال

ولا تخجلْ أنا كأبيك حقاً
أخصّك بالتلطف والدلال

وهذي الخمسُ دَيْنٌ يا صغيري
تُسدّدُه إليّ على التوالي

إذا اسطعت الأداء فلا تُسَوّفْ
فما جدوى التلكؤ والمِطال؟

عرفتُك تُرجع الحق احتساباً
وهذي فيك من أندى الخصال

وكانت فرحة للطفل فاقت
عباراتٍ تسامتْ في المقال

وأنهى عندنا سنواتِ عُمر
مِن التعليم مَرّتْ كالزوال

وواصلَ حتى بات له عُلوٌ
وفارق قومَه ، وقلا العوالي

وأغناه المليكُ عن البرايا
فلم يجْنحْ إلى أي احتيال

تذكّرني وعاود بعد لأي
وذكّرني التباريحَ الغوالي

وعاد يردّ لي دَيْناً قديماً
وكنتُ خشيتُ جداً أن يُغالي

فإذ بالخمس تضرَبُ في مِئاتٍ
وآلافٍ تفوقُ مدى الخيال

وتربيتي فما ذهبتْ هباءً
وقرضي باء بالربح الحلال

ومَن يهب الأنام يريد وَصلاً
فسوف يُصيبُ غاياتِ الوصال

وجودُ المرء يجعلُ منه نجماً
يُحلقُ في سماوات الجمال

© 2024 - موقع الشعر