صراع مع النفس - أحمد علي سليمان

نفسُ ماذا وراء فعل الشرورِ؟
ثم ماذا خلف الصراع الغدورِ؟

ولماذا هذا الشقاءُ طوانا؟
ولماذا تعلّة الديجور؟

ولماذا – في الدرب – ضاعت خطانا؟
ولماذا - يا نفسُ - صمتُ القبور؟

ولماذا ننسى القيامة عمداً؟
كيف تُنسى أهوالُ يوم النشور؟

ولماذا يطغى الغرورُ علينا
فنعاني من الخواء المَرير؟

ولماذا نسعى إلى الخلف دوماً
ثم نعدو خلف الضياع المُبير؟

وسِوانا - في سُلم المجد - يرقى
والأماني تفوحُ مثلَ الزهور

أحرقتنا ريحُ الخلافاتِ دهراً
واكتوينا بالمنهج المَوْتور

وانتهينا - إلى الترهّل - قطعاً
وتفرّدنا – بين الورى - بالشرور

وإذا الأعداءُ صفٌ علينا
أمطرونا – يا ويحهم - بالصخور

إيهِ يا نفساً – في السراب - تردّتْ
واستكانت لغيّها المُستطير

جهلتْ من إسلامها وهُداها
ما به ضلتْ ، بئسه من مصير

ثقل التكليفُ اللطيفُ عليها
واستحلتْ – في الناس – قولَ الزور

وأتاها - من هزلها – كل هُون
فتلظتْ في كبة التنور

ورماها موجُ الضلال بعيداً
فتدستْ في صولة التدمير

أين يا نفسي النورُ يمحو ظلاماً؟
ليس يبقى الإظلام عند النور

أين ما قد وعدتنيهِ؟ أجيبي
ولماذا ترجيعة التقصير؟

وشروقُ القرآن كيف قلانا
ثم أوغلنا في الأسى والثبور؟

فيكِ من تضليل (الوليد) كثيرٌ
وكذا من (فرعونَ) بعضُ غرور

فيكِ من (هامان) اللئيم صفاتٌ
وكذا من (قارونَ) سوءُ ضمير

فيكِ من (حَجّاج) البليّات قدْرٌ
نفسُ خافي من وهْج نار السعير

واصدُقي اللهَ المستعانَ ، وتوبي
فالمليكُ الرحمنُ خيرُ نصير

وأقيمي الصلاة ، ثم أنيبي
واستريحي من عائدات الهجير

واندمي أنْ كانت ذنوبك تترى
واشتريني من كل إثم خطير

واعملي إنْ رُمتِ الجنان ، وجدّي
تاق قلبي - فيها - للبس الحرير

تاق قلبي - للأنس - فيها بقوم
عمَروا الدنيا وفق شرع البشير

فاقرئي القرآن الكريم لتلقَيْ
كل خير – بالمؤمنين - جدير

واستجيبي للنصح دون اعتذار
واهجُري - يا نفسُ - عطبَ الأمور

واقرئي – في الإسلام – كتْبَ ثقاتٍ
كي تنيري درباً عليه مسيري

واجعلي صحباً كل عبد مُنيب
طيّب القلب صالح مستنير

وانصري الحق ، أنتِ للحق أهلٌ
كي تعيشي في الانسجام القرير

وارجُمي - بالتذكير - مَن قد تعامى
واصدعي عقل الجاهليّ الحقير

واهدِ للتقوى أناساً حيارى
أقنعيهم بكل حق نضير

أنقذيهم يا نفسُ ممن أضلوا
أعلميهم شِراك كل مُغِير

بصّريهم بالحق حتى يُفيقوا
أنذريهم عُقبي الهوان الكسير

عرّفيهم أن الحياة جهادٌ
وفق شرع الله العزيز الغفور

كم شقينا يا نفسُ حين بعُدنا
عن هُدى الله المستعان القدير

إيهِ يا قلبُ خففِ اللوم عنا
وارحم النفسَ من عِتاب كبير

أنتَ صغتَ اللومَ الكبيرَ قريضاً
كان حبرُ اليراع نورَ شعوري

ووضعتَ فوق الشعور دموعاً
سكنتْ في إكليله المَضفور

وفجَرْتَ الصراعَ يَنبوع عطر
فاض بالبشْر والرضا والحُبور

وجعلتَ (البحر الخفيف) سبيلاً
للأماني ، مرحى بخير البحور

وتخذتَ الآمالَ في العيش كهفاً
لجنان الرحمن خير الدور

وسبرتَ الأغوار في حال نفس
كم طواها ما أحدثتْ من قصور

ووصفتَ الأدواء للداء قطعاً
واستجرت بالله خير مجير

وبذلتَ الخير الجزيل احتساباً
فهنيئاً عُذوبة التعبير

وارتضيتَ من الصراع بجرح
فاح هذا الصراعُ مسك عبير

وإذا النفس المستكينة كلمى
وإذا للقريض ريحُ سُرور

وإذا للقرّاء نفحُ انتشاءٍ
وإذا للأبيات حُسنُ البُدور

وإذا للصراع لونٌ وطعمٌ
وله صوتٌ فاق شدوَ الطيور

وله فحوى تستجيش فؤادي
وله معنى كانسياب النمير

وله في التاريخ جد اعتبار
عاطر الذكرى باشتياق هدير

وله في تعاقب الدهر ذكرٌ
كم قريض يسمو بكرّ الدهور

وله في إرهاصة الجيل سهمٌ
سوف يُردي أهوالَ كل مُغِير

© 2024 - موقع الشعر