ست الشام! (زمردة أخت صلاح الدين) - أحمد علي سليمان

الحمد لله باري الخلق من عَدم
حمداً كثيراً على ما جاد من نِعم

إني لأحمدهُ ، وأستعينُ به
على حياةٍ تُعاني داجيَ الإزم

يا رب فاهدِ - لما تحب - مُلتجئاً
إليكَ لم يدخر قربى سوى السلَم

وأسأل الله غفران الذي اقترفتْ
نفسٌ ترى النورَ في مُحْلولك الظلم

وأستعيذ به من شر ما ارتكبتْ
من الكبائر ، أو من سيء اللمم

من يهده الله لن يُضلِله من أحدٍ
مهما تفنن في التضليل والجُرُم

ومن يُضلَّ مليكُ الناس ليس له
هادٍ ، وإن مَسَحَ الدنيا على قدم

حمداً لك الله أن حققت أمنيتي
فبتُ لا أشتكي ما اشتط من ألم

ولا إله سوى الرحمن خالقنا
من يتبعْ هديَه يَرشدْ ويستقم

والمصطفى عبدُه – بالدين - أرسله
يا رب صل على ذا المصطفى الهشِم

وبعدُ أكتبُ عن (ست النسا) ، وأنا
مُتيمُ القلب والإحساس والقلم

أجلُّ سِيرتها العصماء مبتهجاً
بخير محسنةٍ بين النسا العُصُم

تفردَتْ بالعطا والجُود في زمن
غالَ النساءُ به صَنائعَ الكرم

وأخلصتْ سَعيَها - لله - مُوقنة
بالأجر عند المليك الواحد الحكم

وأعطتِ الناس في سر وفي علن
تُزيل ما كابدوا من عاجل النقم

لم تألُ جهداً ، ولم تبخل بعارفةٍ
وقلبها كم حوى من وافر الرُّحُم

زُمُرُّدَ الخير بُشراكِ الخيور أتتْ
تمحو البلاءَ طغى من وطأة الإزم

تعيدُ حقاً نأى عن ساح صاحبه
فبات تطحنُه سنابكُ السدم

(يا بنت خير أب ، يا أخت خير أخ)
وقل مثلكِ في عُرْب ، وفي عَجَم

لقد عمدتُ إلى التاريخ أسأله
عن حُرةٍ هلكتْ في الدهر من قِدَم

أيقونة المُلكِ في سَمْتٍ ، وفي نسب
وحولها زمرٌ من خِيرة الحَشَم

أم المساكين في بيدٍ ، وفي حَضَر
وصِيتها ذائعٌ في سالف الأمم

وغوث كل فقير رهن حاجته
من كل كَهل دَنتْ ، وكل محتلم

وباليتامى احتفتْ أسمى بُلهنيةٍ
في خير حُكْم – بشرع الله - ملتزم

بنتَ الملوك حَباكِ الله مَكرُمة
ليناً وعطفاً ، ودَفقاتٍ من الرُّحُم

ورقة لم تكن في الغِيد قد عُهدَتْ
وطِيبَ أصل ، وآياتٍ من الشيَم

يا من رعيت علوم الشرع أجمعها
بمنهج طيب الأوصاف محترم

فقيلَ: راعية للعلم باذلة
والبذل للعُلما من خير معتصم

فللكتاب كتاب الله حصته
وحِصة لحديث الشافع الهشم

وللكتاتيب – في الأمصار - حصتها
عن اقتناع يشي بالمَظهر السنِم

وبالعطايا المعلمون قد شهدوا
وبالسخاء الندي البالغ العِظم

وللتلاميذ – يا فضلى - شهادتهم
على الذي بذلتْ من وافر النعم

قالوا: (زمرد) طابت مَحْتِداً وصُوىً
ربيبة الفضل عن حب ، وعن رغم

وطابت اسماً له فحوى تُغلفه
اشتُق من ذهب صافٍ ومُرتسِم

وزيدَ (خاتونَ) ، فازدادتْ طلاوتُه
يا فاطمَ الخير ، والألقاب ، والسيم

والأقرباء ملوكٌ عَز جانبهم
وتَوّجُوا حُكمَهم بالمنهج اللقم

شُم الأنوف أعزاءٌ جحاجحة
وللرعية ذلوا ذِلة الخدم

وفي الحروب صناديدٌ دَهاقنة
والكفر إن تلقه - بالبأس - ينهزم

ففي الأيادي سيوفُ النصر مُشهَرة
والخيلُ مُسرَجة ، تختال في الشُكُم

وفي لقاء الأعادي ليس من هرب
لأنهم عمدوا – جهراً – لسفك دم

وهم على دينهم ما أكرهوا أحداً
شأن الطغاة الألى هم خائنو الذمم

واستشهِدوا كتبَ التاريخ عن ملكٍ
بالحق ، والعدل ، والإحسان متسم

وتلك (حِطين) بالمِغوار شاهدة
أعاد ذكرى مضت من عهد معتصم

صلاحُ ذكراك مثلُ الشمس مُشرقة
تُنيرُ عالمَنا بنورها التمم

ألست تذكرُ ما قالته فاطمة
تريد خيلاً لخوض الحرب والإزم؟

والفارسات بذيل الجيش مُلحقة
والبعض فوق ظهور الأينق الرسم

يسقِين من عطشوا ، فالماءُ مدخرٌ
وقد يعالجن جرحى من لظى الألم

وأسستْ مصنعاً يعد أدوية
فيه العلاج أتى لكل ذي سقم

دواؤها يحمل البشرى لمن مرضوا
من كل عبدٍ يُعاني شدة القحَم

وإن نسيتُ ، قلا أنسى مدارسها
كم علمتْ من يواقيتٍ ، ومن حِكم

خَبَرتُها تنتقي فيها معلمها
من كل عدل - بتقوى الله - معتلم

وللمعلم أموالٌ تُخصصها
نهاية الشهر ، إن يعملْ فيستلم

وبعدُ تمتحنُ الطلابَ قد درسوا
وتمنحُ الدّر للمستبصر الفهم

زمردُ العلم فاقت غِيد ضيعتها
بما استزادتْ من الأخلاق والقيم

تفقهتْ في علوم الشرع بُغيتُها
نشر الهُدى والتقى في كل مصطدم

ودرَّستْ للنسا في عُقر دارتها
فقهَ الشوافع أنقى من ذوي العِمم

وأوتيتْ غيرة على شريعتها
وتلك أشهر من نار على علم

لم ترض بالدون في دين تدين به
وعز (ست الولايا) غيرُ منبهم

ودرستْ لغة القرآن واضحة
بكل لفظٍ تسامى غير معتجم

وكان منزلها مأوى الألى جُرحوا
من كل ليثٍ يُقاسي شدة الكلم

والبعضُ بالنار ألقاها العِدا احترقوا
فواجهوا كبة الإحراق والضرم

والبعض أطرافهم بالسيف قد بُتِرتْ
والبترُ خلف آثاراً من الورم

وكان منزلها مثوى الألى هربوا
من الفرنجة ما فاؤوا لحقن دم

بل أشعلوا الحرب ظلماً دونما هدفٍ
وجندُهم في الوغى سيلٌ من العرم

تقبل الله يا (ست الشآم) عطا
سليلة المجد مَن جَلتْ عن التهم

في آل (أيوب) هذي دُرة سطعتْ
أبليتِ في حربهم ، والبأس ، والسلم

ما قلت: أنثى وما لي في الخصام أنا
ضعيفة ، في حُلي الغِيد مُختصَمي

ما قلت: ربة قصر لا يليقُ بها
ما قد يؤدي بها للمرتع الوخم

بل انطلقتِ بلا خوفٍ ، ولا وجل
والخوف يُفضي إلى الشكوك والوَهَم

وطدتِ ملك بني (أيوبَ) واثقة
بالنصر يُرزَقه حتماً ذوي الهمم

يا أيها الناس هذي نجمة بزغت
فريدة لم تسد في موقع النجُم

مليكة في النسا سَمَتْ مناقبها
في آل (أيوب) ذي من خِيرة الحُرَم

حياتَها - لكتاب الله - قد نذرتْ
ومن يعشْ لكتاب الله يستقم

وأخلصتْ دينها ترجو النهوضَ به
رأت شرائعه من أفضل النظم

وعيشها كان مثل البحر دَورتُه
مدٌ وجزرٌ ، وفتكُ الحُوت بالبَلَم

وواجهتْ كل ما في العيش من محن
حتى غدت قمة تميس في القمم

حتى إذا ما انقضت أيام رحلتها
وجاءها الموتُ بالإفناء والعدم

فللجنازة شجواها وهيبتها
ست الشآم أوت لخير مختتم

اليوم ودعتِ الدنيا على أمل
من عودة الروح يوم الحادث العمم

في ذمة الله – يا فضلى – بلا أسفٍ
ومن سيؤويكِ مثل الراحم الحكم؟

مُشيعوكِ من الزهاد مطمحهم
أن تؤجري عند رب الناس بالرحُم

وحاملوكِ من العُباد مأملهم
بأن يُوسِّع ربُّ الخلق في الرَّجَم

ولو رأيتِ الألى يُودعون ضُحىً
لقلتِ ما غاب عنكِ اليوم من نسم

في نصف مليون ما جفتْ مدامعُهم
ولم تكلَّ عن المسير من قدم

يستغفرون ، ورب الناس يسمعهم
وفي القلوب عذاباتٌ من السدم

وللعزاء أسىً يكوي وهينمة
مشفوعة بدعا المكروب عن أمم

وللمعزين أورادٌ وأدعية
لفت بثوب الضنا والبؤس والوصم

ست الشآم عليكِ العينُ دامعة
ما وُشِّحَ الكونُ بالإصباح والغسم

عليكِ رحمة ربي دائماً أبداً
بدعوتي تلك يا (خاتون) مختتمي

© 2024 - موقع الشعر