زنبقة في فلاة الجاهلية - أحمد علي سليمان

غيرُ مُجْد في العِيرِ لَوْمي وشِعرِي
ولهذا قَد حارَ في التيه أَمْرِي

ليس يَلْوِي على اتباعي غُفاةٌ
ولهذا خبَّأتُ في القلب سِرِّي

كيف يُعْطَى نُورَ الرشاد سَفيهٌ
كيف ألقِي على الأراذلِ خَيْري؟

في دياري قد بَذلتُ عطائي
وأرانِي على اللظى كُنْتُ أجري

فأبنْتُ المِنْهاجَ ، لمْ أتخوف
كمْ كوَى قلبي كلُّ صدٍّ وجمر

كمْ سَهِرتُ الليل الطويل أعاني
بينما في الفرْح قد نام غَيْري

وَهَنَ العظمُ المستكين بجسمي
هل يُعِيدُ العُمْرَ المُغَاضِبَ شِعري؟

إنَّما الآهاتُ المريرة تَتْرَى
آهِ مِنْ قَيْدٍ يحتوي بَوْحُ فكري

فَمَتى أمشِي بين قوميَ حُرًّا
بفؤادٍ فيما أعانيه حُرِّ؟

ومتى يحيا القلب فيهم قريرًا؟
وإلام أحيا بظلمٍ وشر؟

ومتى نلقى في قرانا رجالاً؟
ومتى يا قلباهُ يَبْزُغُ فَجْرِي؟

أرضُنا ضاعَتْ ثم خارت قُوانا
وَذُلِّلْنَا - بين البرايا - بقهر

كم زهِدْنا في الدين دهرًا طويلاً
والأعادي فينا تبيع وتَشْري

وشبابٌ في كل صُقْع تردى
وعذارى أتقنَّ فَنَّ التَّعري

حُرُمَاتٌ أَمْسَتْ تُداسُ بأرضي
وعليها في العين دمعيَ يَسْري

وذئابٌ تَجْتَثُّ كل جميل
وتُحَلي دُعر البغايا بعطر

تَذْبَحُ الحق المستبين جهارًا
وتُغطي التقوى بحيْفٍ وسِحر

ملتقاهم مثلُ الخَوارج صِدقًاً
وعلينا جمرٌ بمِخلب نسر

وتراهُ عند الطواغي نسيمًا
عينه في دمع الجوى عينُ هِر

أَحَرامٌ أنْ يَصْدُقَ الرَّبَّ يومًاً؟
ضاق عن عصيان الورى كل حَصْر

وسواءٌ عند الورى كلُّ زَيْفٍ
ورشادٍ ، إذ أهدروا كل قدر

أيها اللاهون الغفاةُ ، أفيقوا
قلتُ رأيي ، عند المُهَيْمِنِ أَجْري

نَبْتَةٌ أردتْ في البرايا صِبَاهَا
ولها فيهم لم يعد أي ذِكْر

إن هذي في الروض ، لم تتطهر
لم تطقْ من بين الورى بعضَ طهر

شككتْ في نور «الجمال» ، وعَابَتْ
عنتراً عُدوانًا بِغِلٍّ ومَكر

دلستْ فيَّ طُهرَ «المفاهيم» عمْدًا
أتراها يا صاحبي ليس تدري؟

رُبَّ عِلْمٍ قاد القطيعَ لجَهْل
وظُنونٍ ساقَتْ لإثم وَوِزر

وبقايا عِلْمٍ تَروحُ وتغدو
لا تُساوي بالله فلسًا لِحِبر

ونفوسٍ في الجَهل كم تتمطى
ما لها عند الملتقى ظل صَبر

وشبابٍ أضنى الرجالات بحثًاً
خصّها بالتَّكرار في بعض عمر

وهوَ مِنْ أخلاق الرجالات خالٍ
آهِ من مستهجَنِ الرأي غِر

يَحْسَبُ العِلمَ المستنيرَ حِساءً
إن هذا شيء يَؤز ويُزري

وادّعوْا أن العلم فيهم تسامى
وهُمُ دون العلم حقًّاً بدَهْر

جعلوا الشيطانَ الرجيم دليلاً
وأبا جهل يستثير ويُغْرِي

إنهم أقزامُ جيلٍ تدنى
وُثُنٌ صيغتْ من حديد وصَخْر

وأحاسيسٌ عربدتْ دون وعي
سَكِرتْ ، والتضليلُ يأتي بسكر

ليت شعري كيف الضلال طواها؟
وطوى أعناق الأنام بخمر؟

وجهولٌ أمسى عليهم إمامًا
واستعاروا نورًا يليق ببدر

مَلَأوهُ بالزَّهْو حتى تمادى
في هواهُ في سِرِّهِ وبجهر

قلبُه لم يَعْرف سنا البشْر يومًا
إنما في التكشير فاق المَعَرِّي

ولهُ أخذ في الكلام عجيبٌ
تارة يُنْبِي ، ثم أخرى يُوَرِّي

وإذا مِنْ حول الفتى القوم صَرْعى
بوجوهٍ مِنْ لَوْعَةِ البَحْثِ صُفْرِ

وعيونٍ كمْ كابدت مِن ليال
تنشدُ العِلْمَ المصطفى بتحرِّ

وقراطيسٍ كمْ حَوَتْ مِنْ عزيفٍ
وسطورٍ مِنْ كل زيفٍ وعُهْر

وشريطٍ يُثِيرُ فتنة هَلْكى
وحوارٍ يمتدُّ مدة شهر

وعلى أوراقِ الجرائد قِسطٌ
وهُراءٌ لمَّا يُعَد لنشر

وشِياهٌ أضحتْ تُصفِقُ دومًا
ورعاديدٌ للخرافات تشْرِي

فاسعدوا يا أذناب صِهيونَ ، إنَّا
جَوْقة سيستْ في قُراها بجَور

إننا أُسْدٌ على من أنابوا
قد حذقْنا في دارنا كل نحر

قد قَتَلنا الأفذاذَ منا عِيانًا
وخرجنا من ذا الحساب بصِفر

نحن قد شوّهنا الحنيفة عمْدًا
واختلقْنا كابن السلول ونَضْر

وسَخِرنا مِنْ كل غالٍ كريم
وسقطْنا في كل غَمْطٍ وكِبر

وانطلى تزييفُ النصارى علينا
فشربْنا من كل فسق وكُفر

ربِّ أدركْ عَبْدًا يذوبُ انكسارًا
ربِّ واجبرْ ذلي وضعفي وكَسْرِي

في فلاةٍ للجاهلية عبدٌ
يبتغي فيها كل رُشدٍ وخير

فاح مِنْهُ النورُ الأغر عطيرًا
خاف خِزيًا في يوم بعثٍ وحشر

نبتةٌ ذي بَيْداؤُها قتلتْها
سحقتْها بكل طردٍ وزجر

خَمَّشَتْهَا الأشواكُ حتى استكانَتْ
فاستساغَتْ من كل نار وضيرِ

وسقاهَا الصَّبَارُ كأسَ مَرارٍ
فمَحَا منها كلَّ حُسْنِ لبكر

وأبادَ الشِّيحُ البغيضُ صباها
فبكاها من كل إنس وطَير

وأزالَ الضريعُ بَعْض الأماني
وحَمَى هُودًا خلف صخر ودَير

وتحدى الشِّيحُ الظَلومُ ضياها
فاستحالَ القَصْرُ المَشِيدُ لِوَكْر

وطوى الزَّقُوم الحَقُودُ سَنَاها
وشوى أهداب الإباء بقِدر

كيْفَ يحلُو في ذي الهزيمة عيشٌ؟
ربِّ فرِّجْ ، وابعثْ طيوفًاً لنَصر

© 2024 - موقع الشعر