رسالة إلى طبيب - أحمد علي سليمان

رباهُ إني - بهذا الشعر - أبتهلُ
وبالدعاء يزول البأسُ والعِللُ

منكَ الشفاء إذا ما عِلة عضلتْ
وبالصلاة قُروحُ الجرحِ تَندمل

وتأجرُ العبد إنْ دهتْه داهيةٌ
ضاق الطبيبُ بها ، وخابت الحِيلُ

رحماك تلطُف إن قَدّرتَ كارثة
وترحم الناس إن أعيتْهُمُ السُبُل

أنت الخبير بما في الجسم من مرض
وفيك لم يَخِبِ التأميلُ والأمل

وأنتَ أعلم بالأدواء أجمعها
وليس عما قضى ربُّ السما حِوَل

وسُنة الله - في الآنام - ماضية
هذا يسيرُ ، وهذا عاقه الشلل

هذا مُعافىً من الأسقام ممتلئ
فُتوةً ما لها - في قومه - مَثل

وذاك في شدةٍ تُردي فُتوته
وبات يسأل أهل الطب: ما الخلل؟

وصحة المرء - في الدنيا - تمكنه
من أن يداعبه الإخلاصُ والعمل

لا شيء يعدل إيماناً وعافية
فبالعقيدة عيشُ المرء يكتمل

وانظر لمن حاز أموالاً وعافية
لكنه في دجى الأهواء مُنجدل

له مذاهبُ دينُ الله يلفظُها
ومنه يبرأ رب الناس والرسل

الدينُ أفضل من جُلّى وعافيةٍ
إن التقيّ إذا ما اعتلَّ يبتهل

والطب إن لم يكن دينٌ يؤازره
فسوف يدمغه الإفلاسُ والفَشل

تقوى الطبيب تَزيدُ الطب منزلة
وتجعل الطب بالإيمان يكتحل

وإنْ تواضع لله الطبيبُ غدا
في عزةٍ ترتجى ، يَزينها النُّبُل

وإن تمسك بالأخلاق ساد بها
وبالخَلوق جميعُ الناس تحتفل

وكل طب بلا دين ولا خلق
يَشقى به الكلُّ: صِيدُ الناس والهَمَل

بعضُ الأطباء بالدماء قد ولعوا
وقد يُسرّون بالدماء تنهطل

وبعضهم حِيَلُ الفوضى هوايتُه
وليس يصرفه دينٌ ولا خجل

مِقَصُّه قد ثوى في بطن مبتئس
أغفلةٌ تلك يا طبيبُ؟ أم كَسَل؟

وكيف ينسى خبير الطب آلته؟
وكيف هذا الخطا يا ناس يُحتمل؟

وبعضهم نفسه بالكِبر قد شمختْ
والكبرُ وصفٌ حقيرُ الوقع مُبتذَل

وليس يهبط للغرور ذو قيم
وفي الغرور الشقا والذُّل والخَطل

وبعضهم قسوةُ القلوب ديدنُهم
فليس يردعُهم خوفٌ ولا وجل

ومن قسا قلبه فالخسْر موعدُه
مهما اعتراه الهوى والجُعر والجَدل

ولا تسَل عن مدى سُوآى مشاعرهم
حتى كأنهُمُ الأوباشُ والسَّفل

حتى الأحاسيس في قلوبهم جَمُدتْ
كأنها الصخر والأصنام والطَّلل

فلا يُحسون بالأوجاع قد يَبَسَتْ
منها الحناجرُ مما شادتِ الغِيَل

ولا يُحسون بالآلام قد عَصَرتْ
عزم الضمائر لمّا خارتِ الوُسُل

ولا يُحسون بالأنات أصدرها
مرضى يخافون أن يُفارق الأجل

ولا يُحسون بالعليل أثقلهُ
أجرُ الطبيب ، وبئس الغُرمُ والثقل

ولا يُحسون بالأيتام قد فُجعوا
وهم مؤونتهم بين الورى حملوا

وبعضهم ينشر الأسرار دون حيا
وقد يزيد عليها ، ثم يفتعل

والأصل - في الطب - سترُ السر باح به
أهلُ السِّقام كما تُحَتِّم المُثُل

والبعض يزعم أن البُرء لعبته
فذا على الطب والعلاج يتَّكِل

تَمحُّكٌ ما له في الخلق من شَبهٍ
وخيبة زادُها التضليلُ والخَبل

وبعضهم يبذل المعروف محتسباً
ومَن تقرّب للمولى هو البطل

في سُلم المجد يختال الرقِيُّ بهم
وشأنهم - بين عشاق العُلا - جَلل

وفي المعالي لهم باعٌ ومنزلة
وسيرة ما بها زَيغٌ ولا مَيَل

وكم يجودون بالأموال هينة
نعم العطاءُ ، ونعم البذلُ والشُّغل

وكم يجودون بالأوقات مقصدُهم
رضا المليك ، ولا يَعوقُهم مَلل

وكم يجودون بالجهود غايتهم
سُكنى الجنان ، فنعم الجودُ والأمل

يُبشرون الألى جاؤوا بلا أمل
وبالبشارة يأتي الخيرُ والأمل

وينصحون ، فلا يأسٌ ولا جزعٌ
والنصح يُتحفه الترنيمُ والزَّجَل

كلٌ يسوق من الألفاظ أعذبها
كأنما شاعرٌ أبياته غَزل

ويشعرون بما في الناس من عِلَل
والطب ليس عن الشعور ينفصل

ويعذرون الألى قلَّتْ دراهمُهم
حتى يفارقهم في حينه المَحل

لا يُهملون إذا قاموا بواجبهم
إلا إذا استحكم الإيهامُ والزَّلل

ولا يُذيعون سراً غاب صاحبُه
إذ الستارُ على الأسرار منسدل

ويحرصون على التقوى بلا شططٍ
إن التقيَ هو الذي تلقاهُ يَعتدل

إن الشفاء على الرحمن مقتصرٌ
وكلُّ بِرّ على الرحيم يتكل

والطب إن عظمتْ داءاتُنا سَبَبٌ
وبالدعاء مِلاكُ الأمر يَكتمِلُ

إن شاء ربك عافى دون أدويةٍ
أو شاء زادت مع التطبُّب العِلل

لا يُسأل اللهُ عن أفعاله أبداً
وكل أمر لرب الناس يُمْتَثَل

© 2024 - موقع الشعر