دموع القوافي الدامية - أحمد علي سليمان

يَا بَاكيًاً ، والبكا قد هَتَّكَ الحُجُبَا
أنت المُعَنَّى ، ولَمَّا تَبْلُغِ الأَرَبَا

هَلا اصْطَبَرْتَ ، وَفُقْتَ القومَ تَبْصِرَةً
أنتَ العزيزُ ، وأنتَ المرتَوِي أَدَبَا

مَاذا أخذتَ سِوى الآهَاتِ جامحةً؟
أشبعتَ مَنْ شَمتُوا في جُرحِكُمْ طَرَبَا

مُسْتَهدَفونَ ، ولمَّا تظلموا أحدًا
مُرَاقَبونَ ، ولمَّا تُدْرِكُوا الرُقُبَا

يَا عَيْن فابكِ على التوحيدِ واحتسبي
دمعَ التي فَقَدتْ أولادَهَا النُّجُبَا

ما زال من فجروا يَلْوون هِمَّتَنَا
فيم البكاء على عينٍ أبتْ كُربَا؟

هذي الحياة بكل الجور قد صُبِغَتْ
والفسقُ منتشرٌ ، والكفْر قد ضُرِبَا

والناس في بِدَعٍ ، والظلم في دَعَةٍ
فأظلمتْ مقلتي ، واستصرختْ غَضَبا

رأتْ بأنْ لا تَرى أزكى لمحنتها
لأنها إن رأت ، أضحتْ ترَى عَجَبا

فيمَ البكاء إِذنْ ، والهَدْي في كُتُبٍ
والنفس مِنْ حزنها قَدْ ملَّتِ الكُتُبَا؟

إنْ شِئْتَ أنْ تبكيَ العينَ التي فُقِدَتْ
فابك الحنيفةَ باتتْ تشتكي العَطَبَا

حَسْبُ الدموع وحَسْب العينِ معجزةً
تُرْدي العِدَا وتزيلُ الهَمَّا والنُوبَا

كَمَا ذرفْتَ دموعَ العين تندبها
فاليومَ بَارِكْ لها ، قُمْ نَقِّح الخُطَبَا

إنْ رُمْتَ نُصْرَتَها ، فاجأرْ لنجدتها
واللهُ خَالِقُها سَنَّ الدُّعَا سَبَبا

والعينُ جوهرةٌ معطاءةٌ أبدًا
والدينُ عاصِمها ، أكرِمْ بِهِ حَسَبا

كَم ذا قرأتُ بها ، كم ذا نظرتُ بها
كم ذا اتجهْتُ بها لم تُبْدِ لي تَعَبا

كَم ذا سَهِرتُ على أنَّاتها أرِقا
والمرءُ في حالةٍ تستعذِبُ الوَصَبَا

إِنِّي أدلِّلها ، دَوْمًا ، وأشكرها
دومًا ، وأوسِعها مِن فرحتي لَعِبا

كطفلةٌ بسمتْ ، في القلب خَاطِرُها
أُجِلُّ رغبتَها ، فأنسج الطَرَبا

أَواهُ مِنْ ألم أدمى الفؤاد جوىً
والروح حاسرةٌ ثوبَ الهَنا هَرَبا

قدْ أحرقتْ كَبِدي مذْ أنفقتْ دَمَها
والنفس مُشْرِعَةٌ مِنْ أَجْلِها الحِرَبا

يا طُعْمَةً رُمِيَتْ للمشتَهِي بِدمِي
كادت بليتها أنْ تبلغَ السُّحُبَا

يا عين أنتِ مدى الأيام جوهرتي
فكم رَميتِ على مَن سَبَّني الُلزُبَا

يا ربِّ نَوِّرْ بفضلٍ منك غائبتي
ذي مقلة غَرِقت في حزنها رَهَبا

عيناه لا تجزعي ، فالله غايتنا
فادعي المليك لذا يا مقلتي رغبا

يا مِحْنَةٌ عظمتْ ، باتتْ تَروِّعنِي
طالتْ ، ومِنْ جُرحِهَا قد فاقتِ الشهبا

يا مِنْحَةٌ أشعلتْ فِكري ، وأمنيتي
بالشعر أبّنتها ، لا أَنْسِجُ السَّرَبا

بلْ كلّ تجربتِي في الشعر أبذلها
لأزجيَ المشتَهَى ، وأتحفَ الطَّلَبا

والعَيْن غَالِيةٌ ليستْ بهيِّنَةٍ
مَنْ قال هينةٌ قد أعلنَ الكَذِبا

والقَوْم في طَربٍ ، والوَهْم أغنيتي
بالله لو تُشْتَرَىَ أثْقَلْتُهَا ذَهَبَا

معيشتي دونَها ليستْ أُحِسُّ بها
ذي قطعة مِنْ لَظَى تَجْتَاحِنُي حِقَبَا

لَوْلا أخاف الذي أحيَّا لأعبده
يئستُ مِنْ عيشتي ، وذِعْتُ ما حُجِبَا

لكنّ تقواه ركنٌ في تَعَبُّدِنا
إن التّقَى نسبٌ ، أَكْرِمْ بِهِ نَسَبَا

ربَّاه ، لا تُخْزِني فيها إذن أبدًا
أنتَ القدير أعِنْ عبداً بها حَزَبَا

إنْ كنْتُ أَسْرفْتُ في أمري ونازلتي
أو كان قلبيَ مِنْ تقواكِ قد خَرِبَا

أو كنْتُ فَرَّطْتُ فيما قد مضى أبدًا
أو كان عقلي بما أُودِعْتُهُ لَعِبَا

أو كنْتُ والَيْتُ مَنْ عاداك في وضَحٍ
أو كنتُ قصَّرتُ في فِعْلِ الذي وَجَبَا

أو كنْتُ قارفْتُ ذَنْبًا أنتَ تَعْلمُه
فاغفرْ لعبدٍ جَنَى مِنْ سَعْيِه النصَبَا

وامْننْ بِغَائِبَةٍ أنت المرَجّى لها
والطُفْ إلهي بِمَا لِلْعَيْنِ قَدْ كُتِبَا

© 2024 - موقع الشعر