دعنا نضعك في الصورة - معارضة لحمد بو شهاب - أحمد علي سليمان

أَلا إنَّما الشِّعْرُ الصَّدوقُ مُعَظَّمُ
وكلُّ يَراعٍ يَصطفيهِ مُكَرَّمُ

صدقتَ (أبا شُهْبٍ) ، وإنِّي مُعارضٌ
أُؤيِّدُ ما قُلْتُمْ ، وشِعْرِي مُهنْدَم

عَلَى قَدْرِ صِدْقِ الشِّعْرِ يَسْمُو ، ويَرتقِي
وتلقاهُ - في دنيا الوَرَى - يَتَرَنَّم

يَروحُ ويَغدو ، والعَبيرُ أريجُهُ
ويُزْكي شِغافَ القلبِ مَا حَبَّرَ الفَم

يَهيمُ السَّنا - فِي عالم الشعر - شامخًا
فتلقاهُ - في أنواره - يَتَبَسَّم

ويَنْفَعِلُ الوجدانُ - للشعر - طالما
يُتَوِّجُهُ الصِّدْقُ الذِي هُوَ قَيِّم

ولكنْ بُلِينا بالأباطيل تَعْتَلِي
مُتونَ القوافي ، فالكَذُوبُ مُقَدَّم

وكلُّ يَراعٍ يَكتبُ الشعرَ صَادقًاً
يُعانِي ، ويغلي - في تَرائِبِهِ - الدَّم

وليسَ يَرى شَمْسَ الحياة ، ولا الضيا
وبُنيانُه - في كلِّ صُقْعٍ - يُهَدَّم

يَجِفُ المِدَادُ العَذْبُ فيه ، ولا يَرَى
قضيَّتَه الإنسَانُ ، ثمَّ يُحَطَّم

وتَحْتَرِقُ الأَنَّاتُ فِي قلْب شَاعِرٍ
وينتحرُ الشعرُ الأصيلُ المُعَظَّم

فَيَبتَسِمُ المُحْتَالُ - بالشعر - عُمْرَهُ
ويسمُو - بُعَيْدَ الفقْدِ - شِعْرٌ مُحَرَّم

أَيَا (ابْنَ شِهَابٍ) قَدْ أثَرْتَ مَشَاعِري
وعطَّرتَني بالشوقِ ، قُلتُ: سَأَنْظِمُ

وأَثَّرْتَ فِي نفْسِي ، وسَعَّرتَ خَاطِري
ولمْ يَنْأ عمَّا قلتَهُ مُتَرَدَّم

أَلا طَمْئِنِ النَّفْسَ العزيزة ، قُلْ لهَا
شُعورُكِ هذا بيْنَنَا اليومَ مُبْهَم

فإنَّ القُلُوبَ اليَوْم بيعتْ وشِعرُهَا
وعبَّدَهَا في القومِ سَيْفٌ ودِرْهَم

ومِنْ عَجَبٍ لَيْسَتْ تُداري عَوارَهَا
ويُسْعِدُها ذلُّ النِّفَاقِ المُنَغَّم

فكَيْفَ اشتراها المَالُ؟ ليْسَتْ عجيبةً
يَثورُ ويَهْدَا – للدراهِيمِ - دَيْلَم

ويُهدِي القَريضَ العَذْبَ - للوغدِ - ناحِلٌ
ويُهْدِي لِلَيْلَى الشِّعرَ دَومًا مُتَيَّم

تَمُوتُ الأَحَاسِيسُ التي تَنشُدُ الهُدَى
ويَلحقُها بعْدَ التردي التَّنَدُّم

وكَمْ مِنْ شُعورٍ صِيغَ شِعْرًا وفِكْرَةً
ومِنْ حُسْنِه باتَ الصَّدَى يَتَكَلَّم

ومِنْ جَوْدَةِ السَّبْكِ المَهيب لهُ سَنًا
فتقتُلُه الأوهَامُ ، ثُمَّ تَجَسَّم

ويَحْجُبُهُ التَّضليلُ عنْ كل قارئٍ
ويَذبحُه في عالم الناس – خَشْرَم

فكيفَ رَطِيبُ الشِّعْر ينمُو ، ويَزدهي
وقدْ أنشدَ الأشعارَ مَنْ يَتَمَعْلَم؟

أراكَ - بكُلِّ الصِّدقِ - حَجَّلْتَ واسِعًا
وأنتَ - بمَنْ ذا يَدَّعِي الشِّعْرَ - أعلم

أَيَا (ابْنَ شِهَابٍ) خَفِّف اللوْمَ ، إنَّهُم
يَبيعُونَ ما صَاغوا ، ولَمْ يَتَلَومُوا

إذا بِيعَ - فِي المَرْءِ الضَّميرُ - فلا تَسَلْ
لأنَّ الأصيلَ الحُرَّ مَنْ يَتَفَهَّم

لَقَدْ حَطَّمُوا بَوْحَ القوافي ، وعِطْرَهَا
وقدْ عَيَّبَ الأوزانَ غِرٌّ غَشَمشَم

وَقَالوُا بِأَنَّ الشِّعْرَ - بالوزن - هَازِلٌ
ومِنْ غيْر أوزانٍ - لَهُ - يتنغمُ

وطُوِّع شِعْرُ القَوْم في مدْح جاحدٍ
وأمْسَى مَعِينُ الحَقِّ - فِي الدارِ - يُكْتَم

وَضَاعَتْ علَى الأيام ضادٌّ ورايةٌ
وأودَى - بنُور الصِّدْقِ - مَنْ يَتَمَسْلَم

وقد فَضَّلَ الشِّعْرُ الأصيلُ رحيلَهُ
وكانَ لهُ - مِنْ قبْلُ - مَنْحَىً ومَرْسَم

وكانَ لَهُ مَرْأَىً يَسُرُّ ضُيُوفَهُ
وكانَ لهُ إلْفٌ يَتِيهُ ، ومُغْرَم

ولَكنْ تَلَظَّى فِي دُجُنَّاتِ مَنْ غَوَوْا
ومَنْ قالَ هذا في الوَرى فَجَهَنَّم

وَأَمْسَى ضَيَاعًا ، أو غرامًا وقَيْنَةً
وإنْ يُذْكرِ الشِّعْرُ الأريبُ ، فَقَدْ عَمُوا

دِمَاءُ الهُدَى سَالَتْ ، وما مِنْ مُنَافِحٍ
ولوْ - بالقريضِ الفَذِّ - يَهْجُو ويَنْقِم

وفِي السَّاحِ أَشْعَارٌ تُعاني صَبَابَةً
تَرى العِشْقَ - في أبياتِها - يَتَضَرَّم

وأَصحابُهَا - فِي الحُبِّ - ضاعتْ حَيَاتُهم
فقالُوا بأنَّ العِشْقَ نَارٌ ، وعَلْقَم

فيا ليْتَ شِعْرِي ، مَا يُفيدُ هُراؤهُم؟
وكائِنْ ترَى مِنْهُم شَفِيقٌ فَيَنْدَم

وإنَّ الهُراءَ اليَوْمَ طابَعُ عصْرِنَا
وقد قَلَّ فِي الأقوامِ مَنْ يَتَأَلَّم

أَيَا (ابْنَ شِهَابٍ) قَدْ عرفتُكَ شَاعِرًا
وإنَّكَ - فِي نَسْج القصَائِدِ - ضَيْغَم

تَذُودُ عَنِ الفُصْحَى ، وتُعْلي عِمَادَهَا
وآهاتُكَ الحَرَّى تَئِنُّ ، وتَجْزِم

بِأَنَّ الحَيَاةَ اليَوْمَ هَزْلٌ ، فلا عُرَىً
وأنَّ السَّليمَ القلب أَضْحَى يُلَوَّم

وأَلْمَسُ - في أشعارِكَ - الصِّدق كُلَّهُ
ألا بُورِكَ الشِّعْرُ الرَّصِينُ المُطَهَّم

كَأَنَّكَ - فِي آفاقِ شِعْر الوَفَا - سَنًا
إذا أشرقَتْ أنْوَارُه يَتَهَيْنَمُ

فَهَوِّنْ على القلبِ الذَّبيح ، وداوِه
وصَابرْ ، فعند الله فوز ومَغنم

ألا ليْتَ شِعْرِي هَلْ تَنَاولنِي الخَطا
بمِعْوَلِه ، ثمَّ احتواني التجهم

ألا هَلْ يَكُونُ الشِّعْرُ عِندي سَلِيقَةً
فيتبعُني مِنْكَ الشهابُ فأُفْحَم؟

حَنانَيْكَ يا ابْن العِزِّ ، وارفقْ بنظرتي
فإنِّي أبُثُّ الصِّدقَ ، لا أَتَلَعْثَم

ورِفْقًا بِحَالِي ، فاليَراعَةُ سَجَّلَتْ
طُيوفًا بقلبي ، للمعالي تقدّم

أيَا ابْنَ شِهَابٍ ، لا أُنافِقُ لَحظَةً
ولكِن شعورٌ صُغْتُهُ يَتَحَمْحَم

بَرِئْتُ مِنَ التَّلْفِيق: قلبًاً وقالَبًا
ومِنْ مَسْح جُوخٍ فِيهِ يُمْحَى التكرم

وأَمْقُتُ مَنْ تَزلَّفَ ، ليْسَتْ طبيعتي
وأصدعُ بالحق الصُّراح ، وألْطِم

ولَوْ «بِأَبِي» عَيْبٌ لقُلْتُ ، ولمْ أَخَفْ
وآياتُ هذا - في حَيَاتِي - تُخَيِّم

ولكِنْ وَصَفْتُ خاطرًا هيّج الجوى
وأترعْتُ قِرطاسي بِمَا يَتَحَتَّم

أُحِبُّكَ فِي اللهِ العَظيم حَقِيقَةً
وأبْكي لِمَا يُبكِيكَ ، وَاللهُ يَعْلَم

وَمِنْ يوْمِ أَنْ طَالَعْتُ قبلَ الرِّسَالَةِ
فصَارَحْتُ: هذا جَهْبَذٌ ، بَلْ وَأَعْظَم

ورائِدُ شِعْرِ القَوْمِ أَنْتَ ، ولا مِرَا
ولَسْتُ أُزكّيكُم ، ولا أَتَأَقْلَم

ولَوْلا زَمَانُ الشِّعْرِ وَلَّى ، لقُلتُها
بِأنَّكَ أرجى مَنْ عَرَفْتُ ، وأنظم

ألا والقَرِيضُ العَذْبُ عِنْدِي هُوايَةٌ
أُداري بِهَا جُرْحِي ، ولا أَتَجَهَّمُ

وتَحْرِقُنِي آلامُ دَارِي ومِلَّتِي
وأُمْسِي فيَكويني الَّلهِيبُ ، فَأُصْدَم

ويَقْتُلُنِي الشَّوقُ المُنافحُ غِيلَةً
فيَذبلُ - فِي الإحْسَاسِ - عَزْمِي ويُحْجِم

أَسِيرُ - عَلَى شَوْكِ - البَلاءِ مُرَوَّعًا
وأُمْعِنُ - في مَخْبُوءِ غَيْبٍ - سَيُقْدِم

وَأَشْعَارُ قلْبي - في المَعالي - كتبتُها
حَقائقُ تُرْوَى تارة ، وتكرّم

أَيَا ابْنَ شِهَابٍ ، ذا قصيدي هَدِيَّةٌ
وأُهديه قلبًا – بالمبادئ - يَحْلُم

تَقَبَّل عَزائي فِي المبادئ والوفَا
ورفقًا بضَادٍ ، شِعْرُها يَتَجَمْجَم

أَيَا (ابْنَ شِهَابٍ): إننا في مَتَاهَةٍ
وأشلاؤنا - في ساحِها ، تَتَدَمْدَم

خَبَا نَجْمُ مَنْ يَحيا لنيْل كرامةٍ
وقدْ سادَ - في الدنيا - عُتَاةٌ وخُوَّم

وقد شُيِّعَتْ أَنْغَامُ شِعرِ عُروبتي
وجَفَّت بُحورُ الشعرِ ، أَمْسَتْ تَأَلَّم

كِلانَا يذر الشعر – للجيل - عَابرًا
ولكنَّه مِنْ شِعرنا يَتَبَرَّم

وداعًا أَيَا شَيْخَ القريض وجَهْبَذاً
وأستاذَ جيلَ ، فِي الفضيلةِ هَيْثَم

ولَسْتُ أُزكيكُم على الله لحظةً
بحُبٍ تَلاقَيْنَا ، وشِعْرُكَ مَعْلَم

فليْسَتْ طِبَاعِي ، بَل أحبُّ جِوارَكم
أدامَ المَلِيكُ الحُبَّ ، فالحُبُّ بَلْسَم

© 2024 - موقع الشعر