حسابي مع هازل - أحمد علي سليمان

يا هَازِلاً وَالهَزْلُ يكْتَسِحُ الأُنُوْفْ
كُفَّ ادِّعَاءَ الشِّعْرِ وَالنَّثْرِ السَّخِيفْ

وَاسْكُبْ عَلَى مَا قَدْ كَتَبْتَ النَّارَ إَنْ
عَزَّ الوَقُوْدُ وَلَمْ تَجِدْ وَهْجَ الكُسُوفْ

هَذِي قَصَائِدُكَ التِي لَفَّقْتَهَا
قَدْ ضُمِّخَتْ بِالزُّوْرِ وَالحَرْفِ الخَنِيفْ

لَيسَتْ تُسَاوِي الحِبْرَ قَدْ كُتِبَتْ بِهِ
أَبَدًا ، وَقَيحُ الغِشِّ يصْرُخُ فِي الكُفُوفْ

أَتَظُنُّ شِعْرًا مَا كَتَبْتَ ، وَفِكْرَةً؟
الشِّعْرُ يبْرَأُ مِنْ تَقَاطِيعِ العَزِيفْ

فَالشِّعْرُ فَوْقَ الهَزْلِ ، فَوْقَ هُرَائِكُم
كَالبَدْرِ لا يعْرُوْهُ ظِلٌّ أو خُسُوفْ

إِنَّ القَرِيضَ رِسَالَةٌ يا صَاحِبِي
فَوْقَ الدَّعَاوِي وَالتَّكَسُّبِ والعُكُوفْ

أَتْقَنْتَ صُنْعَ الشِّعْرِ ، لَمْ تَكُ شَاعِرًا
وَهَزَلْتَ فِي زَمَنٍ تَغَشَّتْهُ السُّيوفْ

أَلْبَسْتَ بَاطِلَكَ ؛ الضَّياءَ فَزَانَهُ
أَضْلَلْتَ قَوْمًا قَدْ رَأوْا فِيكَ الشَّرِيفْ

وَسَخِرْتَ مِنْ نَسْجِ القَرِيضِ عَلى البُحُو
رِ جَهَارَةً. مِنْ أَينَ هَاتِيكَ الزُّيوفْ؟

لَفَّقْتَ كُلَّ مَقَالَةٍ وَقَصِيدَةٍ
لَحَّنْتَهَا حَسبَ الجَلاجِلِ وَالدُّفُوفْ

يا ذُلَّ قَوْمٍ يقْرَأوْنَ هَشِيمَكُمْ
يا لَوعَتِي فَالشِّعْرُ مَجْنُوْزٌ أَسِيفْ

أَينَ الحَقِيقَةُ فِي دُجُنَّاتِ الهَوَى؟
وَالشِّعْرُ أَينَ؟ وَأَينَ أَطْلالُ الطُّيوفْ؟

وَالشَّاعِرِيةُ أَينَ بَاتَتْ والصَّدَى
وَالأُمْنِياتُ؟ وَأَينَ إِحْسَاسٌ رَهِيفْ؟

وَالأَلْمَعِيةُ فِي سَرَادِيبِ النَّوَى
وَكَذَا ضَمِيرٌ نَابِضٌ شَهْمٌ نَظِيفْ

وَسَحَائِبُ الشِّعْرِ انْجَلَتْ وَتَقَهْقَرَتْ
وَتَخَلَّلَ الأَجْوَاءَ تَضْلِيلٌ كَثِيفْ

وَمَضَتْ بِلَيلِ الشِّعْرِ أَعْطَرُ عَبْرَةٍ
وَغَدَا بِثَوْبِ القَهْرِ إِصْرَارِي الشَّفِيفْ

أَبْكِيكَ يا شِعْرَ الرُّجُوْلَةِ وَالوَفَا
وَأُعَطِّرُ الذِّكْرَى بِإِحْسَاسِي الوَرِيفْ

أَبْكِي عَلَى جُلِّ القَصَائِدِ جُنْدِلَتْ
وَتَبَعْثَرَتْ فَوْقَ الرَّوَابِي وَالرُّفُوفْ

تَشْكُو لِمَنْ لا يرْعَوِي لِشَكَاتِهَا
وَأَنِينِهَا ، تَحْيا مَعَ الشَّبَحِ المُخِيفْ

دَمَعَتْ عُيوْنُ قَصَائِدِي وَقَلائِدِي
تَنْعَى الهُدَى ، تَبْكِي عَلَى هَزَلِ الصُّفُوفْ

تَبْكِي العَرُوْضَ وَأَهْلَهُ وَعَبِيرَهُ
تَبْكِي الأُلى كَتَبُوا عَلَى البَحْرِ الخَفِيفْ

تَبْكِي الطَّوِيلَ كَذَا البَسِيطَ ووَافِرًا
وَالكَامِلَ الفِضِّي وَالرَّجَزَ العَفِيفْ

تَبْكِي عَلَى هَزَجِ القَرِيضِ وَمُحْدَثٍ
يا شِعْر كَفْكِفْ حُرْقَةَ الدَّمْعِ الحَنِيفْ

فَلَقَدْ نَحَلْت قَصَائِدِي مِمَّا جَرَى
وَأَنَا الفِدَا ، مَا حِيلَةُ المَرْءِ الضَّعِيفْ؟

أَمَّا الإِمَاءُ وَلَدْنَ رَبَّاتٍ هُنَا
وَكَمَا نَرَى فِي البَهْمِ قَدْ نَطَقَ الخَرُوفْ

مَاذَا إِذَا طَحَنَ الكَلامَ بِصَوْتِهِ
وَتَلَعْثَمَتْ فِي النُّطْقِ أَرْبَاعُ الحُرُوفْ؟

وَتَحَشْرَجَتْ فِي الصَّمْتِ كُلُّ حَقِيقَةٍ؟
وَتضَمَّخَتْ بِالغِلِّ أَعْطَافُ النَّزِيفْ؟

وَتَعَرْقَلَتْ فِي الوَهْمِ أَقْدَامُ الصِّبَا؟
وَتَحَطَّمَ الإِحْسَاسُ وَالذَّوْقُ الظَّرِيفْ؟

وَالهَازِلُوْنَ عَلَى الدُّرُوْبِ كَمَا الثَّرَى
كُلٌ يصُوغُ الشِّعْرَ مِنْ جَوْفِ الكَنِيفْ

يتَخَبَّطُوْنَ وَلا سَبِيلَ سِوَى الجَفَا
وَيُتَوِّجُوْنَ الشِّعْرَ بِالوَهْمِ الكَفِيفْ

وَيدَجِّلُوْنَ عَلَى القَطِيعِ بِدَمْعَةٍ
كَمْ ذَا نُعَانِي مِنْكَ يا أَعْتَى لَفِيفْ

حَتَّى إِذَا كَانَتْ مُنَاسَبَةٌ بَكَوْا
وَتَصَنَّعُوْا الدَّمْعَ الأَبِيَّ المُسْتَنِيفْ

وَهُمُ المَنَاشِيرُ الَّتِي لا تَرْعَوِي
رَتَعُوا ، وَمَا مِنْ بَينِهِمْ رَجُلٌ نَحِيفْ

لَكِنَّمَا قَلَمٌ بِكَفَيْ شَاعِرٍ
يُعْطِيكَ مِنْ جَمْرِ الغَضَى بَعْضَ الحَفِيفْ

وَيصُوغُ صَمْتَ الصَّمْتِ أَعْظَمَ ضَجَّةٍ
وَيصُوغُ مِنْ مَطَرِ السَّمَا الطَلَّ الخَفِيفْ

وَيصُوْغُ مِنْ لا شَيءَ شَيئًا وَاقِعًا
حَقًّا ، ومِنْ قَيظِ الصِّبَا بَرْدَ الخَرِيفْ

وَيصَوِّرُ الأطْلالَ دُنْيا تَنْتَشِي
وَيحَرِّكُ المَشْلُوْلَ فِي رَحِمِ الوُقُوفْ

يبْكِيكَ دَهْرًا ، ثُمَّ يضْحَكُ سَاخِرًا
وَيرُوْغُ مِنْكَ ، وَفِي مَآرِبِهِ يطُوفْ

الشَّاعِرُ الحَقُّ الَّذِي يحْيا عَلَى
صِدْقِ القَرِيضِ ، وَتَنْتَشِي مِنْهُ الأُنُوفْ

وَالشَّاعِرُ الحَقُّ الجَسُورُ فَلا يخَا
فُ مِنَ الوَرَى أَبَدًا ، وَإِنْ سَكَنَ الشُّعُوفْ

وَتَرَاهُ لِلمَظْلُوْمِ سَيفَ عَدَالَةٍ
وَتَرَاهُ لِلمَنْكُوْبِ مِنْ أَنْدَى حَلِيفْ

وَتَرَاهُ فَوْقَ الجَوْرِ صَرْخَةَ ثَائِرٍ
تُرْدِي الغَشُوْمَ ، وَإِنْ أَحَاطَتْهُ الزُّحُوفْ

وَتُذِيقُهُ مِنْ جِنْسِ مَا كَسَبَتْ يدَا
هُ مَرَارَةً ، وَمِنَ العَذَابَاتِ الصُّنُوفْ

وَتَرَاهُ يحْيا فِي أَصِيلِ حَياتِهِ
لا فِي الكُهُوْفِ ، وَلَيسَ فِي ظِلِّ الرَّصِيفْ

وَتَرَاهُ بُرْكَانًا إِذَا نِيلَ الهُدَى
يهْتَاجُ هَدَّارًا كَمَا القَوْسُ الهَتُوفْ

وَيتُوْقُ لِلعَدْلِ الَّذِي يُحْيي الوَرَى
يحْيا يتُوْقُ لِنَصْرِهِ تَوْقَ اللهيفْ

وَيعِيشُ آلامَ الحَنِيفَةِ دَاعِيًا
رَبَّ الوَرَى حَتَّى يُزِيلَ أَسَى الصُّرُوفْ

وَيُجِيبُ صَرْخَةَ مُسْلِمٍ عَبْرَ الدِّمَا
وَيسُلَّ سَيفَ الشِّعْرِ للبَاغِي العَنِيفْ

وَيسَعِّرُ التَّفْعِيلَ نَارًا تَجْتَنِي
بَغْي العَدُوِّ وَجَوْرَهُ العَاتِي الطَّفيفْ

تَنُّوْرُ شِعْرِ الفَذِّ لَيسَ بِهَازِلٍ
دَوْمًا يفُوْرُ ، وَفِي الوِئَامِ هُوَ الأَلِيفْ

لا يكْتُبُ الشِّعْرَ الَّذِي يحْيا عَلَى
هَزَلِ الخَنَا وَغِوَايةِ الجِنْسِ اللَّطِيفْ

مَخْمُوْرَةٌ رَأسُ اليرَاعِ بِسُكْرِهِ
وَعَلَى قَرَاطِيسِ الهَوَى كَانَ الخَلُوفْ

وَالزُّوْرُ يشْرَبُهُ الوَرَى بِجَهَالَةٍ
يا لَلأَسَى ، وَالزَّيفُ قَدْ مَلَأَ القُحُوفْ

وَتَسَرْبَلَتْ بِالتِّيهِ كُلُّ رِكَابِنَا
وَالخَيلُ عَانَتْ مِنْ دَياجِيرِ الوَجِيفْ

وَالجِيلُ يحْيا فِي سَرَادِيبِ اللَّظَى
وَتَرَاهُ يجْتَرُّ المَذَلَّةَ كَالعَسِيفْ

وَكَذَاكَ أُمَّتُنَا غَوَتْ وَتَقَهْقَرَتْ
خَرَّتْ عَلَينَا مِنْ أَعَالِيهَا السُّقُوفْ

وَالشِّعْرُ مَجْنُوْزٌ بِغَيرِ جَنَازَةٍ
وَالقَوْمُ صَرْعَى فِي مُجَامَلَةِ الضُّيوفْ

وَالشِّعْرُ لَيلَى أَوْ عِبَادَةُ ظَالِمٍ
أَوْ قِصَّةٌ قَدْ صَاغَهَا القَلَمُ الطَّرِيفْ

أَوْ دَمْعَةٌ فَوْقَ السَّرَابِ وَحُرْقَةٌ
فِي شَكْلِ شِعْرٍ ثَائِرٍ يبْكِي السُّعُوفْ

أَبْياتُ شِعْرِكُمُ السَّرَابُ وَظِلُّهُ
كَمْ ذَا فُجِعْنَا بِالمَئِينَ وَبِالأُلُوفْ

إِنْ كَانَ مَا كَتَبَتْ يمِينُكَ بِالقَرِيضِ
فَقُلْ لَنَا ، أَوْ كَانَ لا ، فَلِمَ الكُسُوفْ؟

يا قَوْمُ كُفُّوا عَنْ هُرَاءٍ فَاضِحٍ
وَتَذَكَّرُوا يوْمَ التَّنَاوُشِ وَالوُقُوفْ

وَالأَمْرُ مُلْتَبِسٌ عَلَيكُم صَدِّقُوا
إِنِّي لِنُصْرَةِ حَقِّنَا أَبَدًا شَغُوفْ

© 2024 - موقع الشعر