حسابي مع حاقد - أحمد علي سليمان

حتى متى النذلُ بالأحقاد مشغولُ؟
إن السفيه - عن الأضغان - مسؤولُ

حتى متى شبحٌ يُغريه ما كسبتْ
يدُ الجبان ، فتغويه التماهيل؟

حتى متى شبهٌ تشوي جوانحه
والحقدُ – من ثقلُ البلواء - مفتول؟

حتى متى تمحق الظنونُ نيته
وتستبد برؤياه الأضاليل؟

حتى متى يكتوي بنار حُرقته
هذا الحقيرُ ، وتعرُوه الأباطيل؟

حتى متى الغِل يسري في جوارحه
والقلبُ بالغِل مَقبوح ومرذول؟

حتى متى الظلمُ ترجيعاً يردده؟
والظالمُ - الدهرَ - مهدورٌ ومختول

حتى متى البطش بالإنسان ديدنه؟
والخذلُ عارٌ ، ومَن يخذلْ فمَخذول

ضاعتْ حقوقٌ ، سعيرُ الحيف بدّدها
والقومُ - عن نصرة تُرْجى - مناكيل

وقطع البغيُ - بين الناس - آصرة
في ظلها الحق للمظلوم مَكفول

وذبّح الجَوْرُ أعناق الكِرام بلا
حق ، كأنهمُ عِيرٌ مَهازيل

والحمقُ أودى بما شاءت ضمائرُهم
مِن الكرامة ، نعم القومُ والجيل

والمُوبقاتُ غدت دِرعاً يتيه به
مَن زادُ عيشته فينا الأقاويل

ولم تعدْ تُثقِل الإنسانَ شِرعته
والوزنُ ألبسَ ، والتقييمُ مَشكول

يا حاقداً غرّه فينا تسامحُنا
والجودُ إن دعتِ الحاجاتُ مبذول

يا مجرماً قلبُه في الجُرم مُرتكسٌ
وفوقه خنجرُ الإجرام مَسدول

شُلتْ يمينك إذ تهوي على رجل
بالجود بالنفس والأموال مشغول

كُف اللسانَ إذ امتدت خناجره
إلى العفيف ، لسانُ الغدر ضِليل

هذي الحقارة مَن يرضى فظاعتها؟
إن الأصيل لمَا تأتيه مَغلول

هذا التطاول مَن يرضى بباطله؟
لا يستوي عاطرُ الرؤيا ومدخول

هذي الدناءة في أخزى معالمها
وفي مداخلها الرعناءِ تفصيل

هذا السفول ، وأنت - اليوم - رائدهُ
وما له سببٌ يُرضي ، ومدلول

هذا السقوط ، ولا شيء يُبرّره
كلا ، ولا منطقٌ في الحق معدول

هذا النضالُ لدحض النور مهزلة
لا حبذا ناضلٌ يُخزي ، ومنضول

هذا التراشقُ بالألفاظ جارحة
كأنها أبيضٌ في الحرب مسلول

هذا التلاعنُ للأجداد قد رحلوا
هل جاء باللعن قرآنٌ وتنزيل؟

هذا التردي ، وقد طابتْ مرارته
لميّتِ القلب ، مَن بالهزل موصول

هذه المسبة مَن في الأرض شرّعها؟
هل جاء بالسب توراة وإنجيل؟

هذي الرعونة للأرحام مذبحة
قضى ضحيتها بالبغي بُهلول

هذي الجهالات ، مَن يأوي لحمأتها؟
وفي التلافيف للرائي تفاصيل

هذي الدغاول أجّجت الأوار بها
وفي السراديب تهتاج الأفاعيل

وأنت بالنفخة الكأداء مُدّرعٌ
كأن (أبرهة) ، وتحته الفيل

والأشرم الصِل يجتاحُ الوغى حَرِباً
وفوق مَوكبه الطيرُ الأبابيل

ترمي الحجارة في فخر وفي صلف
من بعد ما ضمّها للكيد سجيل

تغشى النزال ، تخال الخصمَ مُرتجفاً
وفي النزال أراجيفٌ وتزميل

جعلتني هدفاً في كل خندمة
وبعدُ أغراك تقسيمٌ وتنفيل

ما ردك السن ، يا صعلوك عن سفهٍ
وما اعتراك عن التقبيح تخجيل

وفرْقُ ما بيننا عقدٌ يباعدنا
وما عداه فتوقيرٌ وتزييل

وما استحيت ، فللأستاذ هيبته
وخاطرُ الشهم مرهوبٌ ومأمول

وما احترمت مشيباً زارني عَجلاً
وما سبا العقلَ ترجيحٌ وتفضيل

وما اشتريت كراماتٍ عبثت بها
كأن عقلك – يا معتوه - مخبول

أشهرت سيف اعتداءٍ ليس يُشهرُه
إلا الرعاديدُ ، والعدوانُ مهزول

أتعلن الحرب يا غدارُ في وَضَح؟
وسيفُ غدرك في الهيجاء مصقول

نارٌ علينا ، وللأعداء قِطتهم
تذيبُ قلبك في البلوى التهاويل

غضنفرٌ أنت - إن حاربتنا - شرسٌ
وأنت مِن صولة الأعداء مكبول

لن نشحذ الرفق مِن قاس يُحاربنا
إن الذليل - على الهَوان - مَجبول

لن نركع اليوم إما رُمتَ ذِلتنا
ولا يُهددنا يا وغد تذليل

نحن الكرامة في أسمى مدارجها
ودارنا - رغم أنف المعتدي - الغِيل

نحن الرشادُ ، فرب الناس أرشدنا
وتلك نعمته ، والخيرُ مفضول

نحن الشجاعة جلتْ عن تسامقها
ونحن بالحق - في الدنيا - بهاليل

لن نكتم الحق مهما طفّ باطلكم
نحن الأصول ، فهل تزوى التآصيل؟

مهما انحدرت إلى قعر الحضيض فما
مثلي يُجرجره للقاع توحيل

الوحلُ أنت ، ولي الجوزاءُ مركبة
وإنني عَلمٌ ، وأنت مجهول

لا أمدحُ النفسَ ، إن الله أعلم بي
وذِكر نعمة رب الناس مَقبول

لكنْ أعدّد فضل الله محتسباً
وذاك للآية الزهراء تأويل

إني أحدّث بالتكريم جمّلني
وللمليك بشعري العفِ تبجيل

فهل رُئيتَ شريفاً طاب مَحْتِدُه
بل كل ما تدعي يا نذل تضليل

وهل نثرت على الأصهار ما نثرتْ
يدُ الجواد؟ ونكرُ الخير تبطيل

وهل خصصتَ بشيء فيه منقبة؟
أم عالة أنت ممجوجٌ ومملول؟

وحاملٌ هَمَّ خلق اللهِ محترمٌ
لكنّ مثلك يا دهقانُ محمول

وإن قصِدت لأمر فيه بذلُ عطا
فإن جُودك تسبيط وتكسيل

وإن أتاك مَعُوز كي تبلغه
حار المعوز ، وأزته العقابيل

في نفسك الشحُ ، والتقتيرُ مدخرٌ
والاعتذار بملء الفمّ معسول

دناوة ما لها في الناس مِن شبهٍ
والفهمُ مُنعدمٌ ، والفكر متبول

وخِسة ما لها في الأرض من مَثل
ونية خبثتْ ، والعزمُ مبتول

ونفخة تعتري شخصية حُبستْ
في غيّها ، وبها الإحساسُ مقتول

وسافل دنسَ الشيطانُ عالمه
أواه ، كم يذبحُ الإنسانَ تسويل

وراغبٌ عن هُدى الرحمن مُرتكسٌ
في حمأة المال مغموسٌ وممقول

والعنجهية في دنياك أغنية
تشدو بها غرداً ، والقلبُ مجزول

والحمقُ طبعُك يا بؤسَ الألى صحبوا
نذلاً بضاعته كِبْرٌ وترهيل

والجهلُ أنت ، فلا علم تتيهُ به
بين الخلائق ، بل جهلٌ وتجهيل

لولا سفولك لم ترفع يداً قطعتْ
على المعلم ، بئس الفعلُ والقِيل

لولا تردّيك لم تنطق بنابيةٍ
تشينك الدهر ، إن العقل معلول

أتنكرُ الفضل قد جاد الأصيل به؟
نورُ الحقيقة لا يُخفيه تخييل

شتان بين عطيب القول مجترئ
وبين مَن قوله فصلٌ ومعقول

تريدني تبعا في كل مهزلةٍ
بضاعتي إذ دعاني الحق تطبيل

تمد كف الأذى بالشر مشرعة
وكل دوري لهذي الكف تقبيل

منظومة لعنتْ يا غِر في زمن
قلتْ مرابعَ صرعاهُ المَكاييل

انزلْ من البرج ، إن البرج مِن صلفٍ
حتى متى أنت مخدوعٌ ومَعزول؟

الناسُ صنفان: مِطياعٌ ومُبتدعٌ
ولن يُفيدك ترقيعٌ وتجميل

حدّد هويتك الرعناء ، يا فسَقٌ
ولا يغرك تميعٌ وتمييل

إما عبادة رب واحدٍ أحدٍ
هو المشرّعُ ، ما للشرع تعديل

إنْ حرّم الله شيئاً لا نقارفه
وما أحل لنا فنعمَ تحليل

يا مُستريبُ ، وإما شرعُ مَن كفروا
هل ذاك عنه وليُّ الله مغفول؟

واعرف مصيرك: إما النارُ مؤصدة
أو جنة بحُلاها البَر مشغول

كم قد دعوناك للتقوى ، فما نفعتْ
إذ ليس يعبأ بالتوحيد ضِليل

لمّا نباغتْك بالعدوان يا قذراً
وليس في سيف شعري - الآن - تفليل

لئن بسطت يداً بالغدر قد ملئتْ
فبُؤ بإثمي كما قد باء قابيل

حتى تكون بنار الله مصطلياً
وقدوتي اليوم يا غدار هابيل

أجرى المليكُ على يديّ ما كسبتْ
يداك يا غِر: هذا الطوْل والطول

كنتُ السراج ، أضاء الدرب إذ حَلكتْ
مِن بعد ما أخمدت فيها القناديل

واليوم ترفع كف البغي كالحة
أما السباب فمقبوحٌ ومسمول

الهِر أنت إذا كانت مواجهة
مع العدو ، ففي الإرجاف محبول

وساعدُ النذل مرفوعٌ يهددُنا
وفي منازلة الأعداء مشلول

شاب العيالُ بلا علم ولا أدب
إذا رأيتهمُ قلت: الرآبيل

وهم صغارُ عقول ، خاب مادحُهم
وهم إذا صحّت الرؤيا عطابيل

إذا أصابوا رأيت الكيد ديدنهم
وإن أصيبوا فهم - صدقاً - مثاكيل

إن حدّثوا كذبوا ، أو عاهدوا غدروا
والدَّيْنُ في ذمة التسديد ممطول

والخلف للوعد تاجٌ فوق أرؤسهم
ودربُهم هربتْ منه المناويل

أما الخيانة: حدِّثْ ، ثم لا حرجٌ
عن الأمانة هم - صدقاً - مشاغيل

لم ألق من بينهم شهماً يوقرني
لأن أعينهم عن حقنا حُول

همُ الحثالة ، إن غابوا وإن حضروا
همُ النساء ، وفي السوق الخلاخيل

همُ الأخسة مهما عز باطلهم
لأنه عند صدع الحق مثلول

إن النفاق لكم دين يميّزكم
وعندكم يستوي جبتٌ وجبريل

وإن بدا لكمُ نفعٌ ومصلحة
تأتون صاحبها ، والأمر تعجيل

حتى إذا ما انتهى شأنٌ ومنفعة
وتم للعِير تمليكٌ وتحصيل

عِيب الذي كنتمُ ترجون نفحته
مِن بعدما شملَ الأوغادَ تخويل

خدعتُ فيكم ، ولم أنظر لعاقبتي
حتى احترقتُ ، وأردتني الأباطيل

كم اخترعتَ حكاياتٍ ملفقة
وأنتمُ في افتراء السوآى مَقاويل

في الافتراء أفقتم كل مُجترئ
وقد تضيق بما يحكي التماثيل

ويحفظ الله مَن يغدو لكم هدفاً
إن لم يُجرْه فذا بالكيد مشمول

هو النفاق - مِن الأعماق - أمقته
وما له - عندنا - إن عشتُ تأجيل

عهدٌ عليّ أعرّيهِ وأفضحُهُ
لأنني - من لظى أهليهِ - مثكول

و(ابن السلول) فمقتولٌ بمِقصلتي
نهاية الدس والتغرير تقتيل

هذا العقابُ يُكافي ما جنتْ يده
والشعرُ سيفٌ على الأوغاد مصقول

إن المنافق - مهما عاش - مفتضحٌ
ولغز وجهيْه - بين الناس - مَحلول

وسيفُ باطله لا بد منثلمٌ
ويُدْحرُ الكيدُ فوراً والتحاويل

والشعرُ أنجعُ في فضح السفيه ، لذا
آثرتُ سيفاً له بالشعر تهليل

أسَطر اليوم شعراً ما أمرّ به
من الهوان ، وفي الأبيات تظليل

هذي الحقائق مِن قلبي أدونها
لكي تصفيَها بعدُ الغرابيل

كيلا أرى الابن ينسى سبّ والده
ولكزهُ ، ومُهينُ الشهم مَرذول

كيلا أرى الزوجَ تنسى ما ابتليتُ به
من الإهانة ، والتهديدُ تنكيل

كيلا أسامح من حثا التراب على
قومي ، فبعثرني - في الدرب - تطفيل

كيلا أعود لطعّان يُجرّحني
وكان لي في الورى عِز وتجليل

كيلا أعود للعّان عديم حيا
يفري الفؤاد على التقبيح مجبول

كيلا أعود لغدار يُجرعني
كأس المذلة ، إن الذل منكول

كي يقرأ الأهلُ والأحفادُ تجربتي
مع الأراذل ، حيث القالُ والقيل

حيث الكرامة تبكي ذل صاحبها
أروي الحقيقة ، ما عندي أقاويل

كي يعرف الناس أوباشاً وثقتُ بهم
وهم - ورب الورى - بُهْمٌ مَناكيل

كي يعرف الخلق ما عانيت مِن غجر
فِعالهم سَفلتْ ، والقولُ منحول

نزفُ الجراح غدا في الشعر منتحباً
أما القوافي ، فأضنتها الثآليل

والحزنُ في القلب ، والشكوى مُحيّرة
وليس يُرجعُ ما قد ضاع تأميل

والعينُ دامعة تبكي مُصيبتنا
ولن يُطيبها - والله - تكحيل

أما الضمير فقد غاضت نضارته
وقضّ مَضجعها - في الكرب - ترجيل

هذي المواقفُ خطتْ درب صحبتنا
والأمر فيها - إلى الجبار - موكول

هذي البلايا على أعصابنا ثقلتْ
وكم تنوء بنا هذي المثاقيل

هذي الدغاولُ فتت في علاقتنا
وليس يُجدي - مع التدمير - تبتيل

أدمتْ خطانا ، ولم ترحم تغرّبنا
وأعجلتنا فما في الأمر تمهيل

وكللتْ بالأذى سَعياً يُجَمعنا
فبئس ما اقترفتْ ، وبئس تكليل

وعطلتنا عن الإسلام نحرسُه
فبئس ما صنعتْ وبئس تعطيل

وكبلتنا بقيدٍ ما له شبهٌ
كلا ، وليس له في الخلق تمثيل

ولا أقلل مِن وصفٍ يُحدّدها
إذ يقتل الوصفَ تهوينٌ وتقليل

وسوف أقرأ هذا الشعر مُعتبراً
والشعر يُتحفُ إذ يَحدوهُ ترسيل

© 2024 - موقع الشعر