جف الحليب أيها الرضيع! (ظنها حية وقد ماتت) - أحمد علي سليمان

أزه الجوعُ لذا الأمَّ التمسْ
لكنِ القوتُ عن الطفل انحبسْ

قتل الأعداءُ أمّاً مُرضعاً
فبمن - في الناس - هذا يأتنس؟

ولمن يأوي رضيعٌ مُعدمٌ
فاقد المأوى حزين مبتئس؟

مكرهاً يبكي ، فمن يعنو له؟
ثم مَن يرثي لذا الدمع التعس؟

ويلوكُ الكرب يبكي أمه
صدرها ودّع بالطعن النفس

وعلى الخدَّيْن دمعٌ بعضُه
قد جرى بالماء لمّا أن يئس

صارع الجوعَ إلى أن هدّه
وعلى الأشلاء مجبوراً جلس

يرقبُ الأوصالَ غطتها الدِّما
بعضُها يجري ، وبعضٌ قد يبس

جثثٌ هانت على أصحابها
في دجى ليلٍ بهيم مندمس

وبيوت الناس يعلوها الثري
لم يعدْ سقفٌ يُرى فوق الأسس

وحياة القوم والموتُ سَوا
ولسانُ الحق قسراً ينخرس

إنها الحربُ يُغذيها الهوى
ومنارُ الحق فيها مندرس

آلة الحرب بأيدي طغمةٍ
ورؤوسُ العِير يغزوها الهوس

فتنة تحرقُ ما يعنو لها
وعلى أهل الهوى الحق التبس

والمعاييرُ استبيحتْ عنوة
واللواء اليوم في أيدى القسس

وحقوق الناس ظلماً أهدرتْ
مَن مِن الأعداء حقاً يلتمس؟

شِرعة الغاب ، فللأقوى البقا
والضعيفُ اليوم حتماً ينتكس

والصليبُ اليوم في الأرض علا
وله جندٌ ولفحٌ كالقبس

وعُتاةُ (الكفر) - في البلوى - غلوْا
ليتنا - مِن كل كفر - نحترس

أيها الطفل انس ما عاينته
إن سيف الثأر - في الروح - انغرس

ودماء الأهل لن تُطوى سدىً
ذا طريقٌ في ثرى البيدا يبس

إنها الشمسُ ستجْلي ظلمة
وأرانا مِن سناها نقتبس

وكذا الأشلاء فجرٌ ضاحكٌ
ثم بعد الضحك - حيناً - ينبجس

أتراكم قد فجعتم وحدكم؟
إن ظني في فؤادي مُحتبس

دَورُكم وافى ، ويأتي دَورنا
في المسا زلتم ، وإنا في الغلس

© 2024 - موقع الشعر