إلى من صرفهمُ المظهر عن الجوهر - أحمد علي سليمان

أقولُ ، ولا أخادع أو أمالي
ويشهد بالذي أنوي مقالي

سيفنى الكل ، والدنيا ستفنى
ويبقى وجهُ ربك ذو الجلال

ويمضي زخرفٌ عبدوه طوعاً
لأن بقاءه عينُ المُحال

أما عشتم تعيبون التدني
جهاراً في سِنيّكمُ الخوالي؟

ألم تتبرأوا من كل نذلٍ
يقلد أهله ذل السؤال؟

ألم تتميزوا عن كل وبش
إذا سُئل المعونة لا يُبالي؟

ألم تُبدوا التكلف إن نُدبتم
إلى جُلى ، فكنتم كالموالي؟

ألم تتجمّلوا بجميل سَمتٍ
وأقوال تحلتْ بالفِعال؟

ألم تتظاهروا بالجود طبعاً
ولستُ بما أبوحُ به أغالي؟

ألم تتحمّلوا مُرّ البلايا
وكنتم – في الورى – خير الرجال؟

أكلتم ما تيسّر من طعام
لذيذ الطعم من كسب حلال

ونلتم حب من لجأوا إليكم
فقد ظفروا بموفور النوال

وأقرضتم فتى أعياه دَينُ
وأقساط يُثقلها التوالي

ألم تبكوا على الإسلام حتى
بُليتم – في العيون – بالاعتلال؟

بأدمعَ – في الدغاول - هاطلاتٍ
تؤجّجُها لواعجُ الانفعال

ألم تتجرّعوا مُرّ المآسي
على صحب وخلانٍ وآل؟

ألم تتكبدوا ضنكَ الرزايا
على دنيا تبوءُ بشر حال؟

أما قلتم نعيشُ لنيل أخرى
وليس لنيل ألقاب ومال؟

أما قلتم سنبذل إن رُزقنا
لندفع عن حبائبنا العوالي؟

لماذا اليوم أزّكُمُ التدني؟
ألا تخشَوْن دمدمة النكال؟

يمينَ الله أمرُكُمُ عجيبٌ
يُزايدُ فيه خرّاصٌ وقال

وغركمُ الغَرورُ بوسوساتٍ
لكيلا تُصبحوا أهل المعالي

يعيش الناسُ ما بذلوا كِراماً
وتزكو بالعطا روحُ الوصال

وأهل الجود لا خوفٌ عليهم
ولا هم يحزنون على المآل

وأهل الشحّ مَن يبكي عليهم؟
ومَن عنهم يدير رحى الجدال؟

إذا حضروا فليس لهم أنيسٌ
وإن غابوا خبا نجمُ السؤال

أصاغرُ في الفِعال وفي النوايا
وهل يُغني القضيضُ عن الجبال؟

فلا ذكرى ولا ذكرٌ لقوم
إذا هم آثروا سَمت العِيال

ولا تلقى لهم – في الجود - ظِلاً
وليس لهم به بعضُ اشتغال

وفي الهيجاء ليس لهم رماحٌ
ولا بعض السهام أو النبال

وكيف يكون للجُبناء عزمٌ
إذا اختُبروا بحرب أو نِزال؟

وهل هم جرّدوا التوحيدَ يوماً
لكي يَخلوا لأعباءٍ ثِقال؟

وهل كفرَ الأراذل بالطواغي
لكي يَذروا ممارسة الضلال؟

لقد فتنوا بدينار ودنيا
وبات القوم من أهل الشمال

فليس يروقهم دينٌ وتقوى
وعيشٌ بالتقى صعب المنال

ويوماً يبرأ الطاغوت منهم
لأنهمُ ارتضوا عيش البغال

رضُوا بالجاهلية والمَخازي
فباتوا في الضلالة والخبال

مع الطاغوت ضد أولي التسامي
وفي قدميه أمسَوْا كالنعال

ألا توبوا يتبْ ربي عليكم
وإني إذ أناصحُ لا أمالي

لقد أملاكُمُ المولى طويلاً
بما لم يَخطرَنْ يوماً ببال

ومكّنكم وخولكم هباتٍ
تفوقُ جميع أوصاف الجمال

فغرتكم ثميناتُ العطايا
وجاوزتم حدود الإعتدال

وإن زخارف الدنيا سرابٌ
وحتماً كل ذاك إلى زوال

ويمضي بهرجٌ خدع البرايا
وتذهبُ كل أبنيةٍ ومال

فهل عوْدٌ إلى القيم الثكالى
لنبلغ بالتقى أوج الكمال؟

وهل توبٌ؟ أم التسويفُ أزرى
بهمّتكم؟ فتعساً للمِطال

نصحتُ وشاهدي شعرٌ بريءٌ
من التدليس تغمره الأمالي

وأجري عند رب الناس زادي
ومن يوفي الأجور كذي الجلال؟

© 2024 - موقع الشعر