إن كيدكن عظيم - قصة هند والحجاج - أحمد علي سليمان

كيدٌ أمَرّ من النيران يتقدُ
ويَحرقُ القلبَ منه الوَهْجُ والوَقدُ

لظاه يبعث - في الإحساس - ألسنة
من السعير ، ومنها يُضرَمُ الكَمد

وللنساء إذا ما كِدْن فلسفة
منها تفطرَ عقلُ المرء والكبَد

لهن - في المَكر - ترتيبٌ ينوءُ به
صبرُ الرجال وإن جدوا أو اجتهدوا

وكم يضيقُ بما زخرفن مِن حِيَل
حِلمُ الصناديد ، حتى إن هُمُ صمدوا

ومَن يُجابهُ كيداً لا حدود له؟
قوامُه الغِلُ والتتبيرُ والنكْد

وتلك هندُ التي بالحسن قد وصفتْ
وقومُها - بعلو الهمة - انفردوا

حبيبة سَطعتْ أنوارُ طلعتها
وعقلها زانه الرّجْحانُ والرَشَد

وأضربُ الذكر صفحاً عن مفاتنها
شأنَ التقاة - عن المزالق - ابتعدوا

وسوف أذكرُ من أخبار سِيرتها
وفي القصيدة يأتي السردُ والسَند

حكاية فندَتْ كيدَ النساء ، وما
شاب الرواياتِ تزويرٌ ولا فند

إذ خاضت العُطبُلُ الغيداءُ تجربة
كأداءَ ما خاضها أقوامُها المُجُد

وصارعت غصصاً أزرتْ بسُؤدَدِها
وكم ألمّتْ بها - في دارها - إدد

كم حطمتْ محنُ (الحجّاج) خاطرَها
في عيشةٍ دأبُها اليَسارُ والرَغد

ومَن يُطيقُ لها حصراً ومعرفة
خمسون ألفاً إذا ما خانني العدد

وما استكانت لها يوماً ، وما يئستْ
وما أحسَّ بها - مِن حولها - أحد

لكنها جأرت لله ضارعة
حتى يُخلّصها من كربها الصمد

فأنشدتْ شعرَ ثكلى تشتكي كُرَباً
سعيرُها - في سُويدا القلب - يتقد

ولم تبال بمن يصغي لزفرتها
أيستهين بما قالت وينتقد؟

حتى إذا سمع الأبيات كاد لمن
عَنته بالشعر تُلقيهِ ، وتعتقد

أبياتها صدرتْ عن زوجةٍ كرهتْ
معيشة شابها البلاءُ والوَبَد

وعِشرة أوغلت في التيه شاردة
والقصرُ - في ظلها - كأنه جُدَد

ما قيمة العيش والتنغيصُ ديدنه
وربّة القصر بالتضييق تضطهد؟

حتى إذا نهرت - بالشعر - عيشتها
وما لها - في الذي آلت إليه - يد

وأيقظت أذنَ (الحجاج) آهتُها
وما لأذن كذي - على الأذى - جلد

فطلِقتْ (هندُ) و(الحجاجُ) فارقها
وأصبحت حُرة ، وانحلتِ العُقد

فكافأت من أتى فرداً يبشّرُها
بمبلغ ما درى يوماً به خلد

آلافها مئتان اليوم جائزة
ولو أراد مزيداً ، فالدعا مَدَد

لم تألُ جهداً ، ولم تبخلْ بعارفةٍ
ولم تخفْ جُند جبار وما رصدوا

على (ابن طاهرٍ) الآلافُ قد سكِبتْ
فبات يُخشى عليه الحقدُ والحسد

واستبشرتْ لابنة النعمان ضيعتها
والأهل بالعودة الشماء كم سعدوا

وفاخروا بابنةٍ عادت كرامتها
واستقبلوها بكل العِز ، واحتشدوا

وأرسل (الأموي) الشهم يخطِبها
وأي شرطٍ لها في التو يُعتمد

فأدركتْ فرصة تشفي الغليلَ بها
فيمن يذلُ الورى جبراً ، ويضطهد

قالت: أؤدّبه حتى يفيئ إلى
تقوى الإله ، فلا تشقى به البلد

فسنتِ الشرط أن يقود هودجَها
والحبلُ في يده ، كأنه المَسد

كأنما أصبح الجَمّال خادمَها
وقوته - عبرَ هذي الرحلة - الزبد

أما العروسُ فديناراً لها طرحت
وبعدُ قالت: أنا الدرهامَ أفتقد

فقال: بل هو دينارٌ ألا ادّكري
أم أنت مِن مَعشر في مالهم زهدوا؟

فقاطعته بأن الله أبدلها
جَل الإله المليكُ الواحدُ الأحد

إذ أبدلتْ (هندُ) بالدرهام تكرمة
دينارَ عِز هو الأهلونَ والسفر

فأسقطتْ هيبة الحجاج فعلتُها
وبات - مِن هولها - اللسانُ ينعقد

© 2024 - موقع الشعر