إلى مظلوم مقهور - أحمد علي سليمان

كفكفْ دموعك في المصاب وردّدِ
الله حسبي في البلاء ومُنجدي

واكبحْ نشيجك واصطبرْ في محنةٍ
واخمدْ نحيبك ، واحتسبْ ، وتجلد

واخمدْ كروباً أشعلتْ فيك الأسى
واذبحْ همومك ، وامض لا تتردد

وأطلْ دعاءك للمليك تذللاً
وأدمْ قيامك ضارعاً ، وتهجد

لا تشْكُ أقدار الإله لخلقه
ما ذاك شأن المخبتِ المتعبد

حتى متى لومٌ ، وحُرقة يائس
وعذابُ قلب نارُه لم تخمد؟

وإلى متى الآهاتُ يحدوها الجوى؟
وتروح شكوى ، ثم أخرى تغتدي؟

وإلى متى الأناتُ باكية الصدى
تطغى عليك ببأسها المتوقد؟

وإلى متى ماضيك يُشهر سيفه
ضجراً ، ويحرمُك التطلع للغد؟

وإلى متى نظرٌ يتوق إلى الورا
وإلى متى ثأرٌ يُحاك لمعتد؟

وإلى متى الأطلالُ تدْحَر عزمة
وتنالُ منك بسيفها المتصلد؟

أتراك بعثرتَ الأمانيَ عاجزاً
ووأدت آمال المضا المتجدد؟

أكسرت مِجداف السفين ، فعاقه
موجُ الوساوس في الخِضم المُزبد؟

أطعنت بالأوهام خاصرة الإبا
فحُبستَ في سجن الركون المُوصد؟

أأرقت في دعةٍ تشامخ هيثم
فأسِرت في أغلال ذل مُرعِد؟

أنسيت أن الحق يدمغ باطلاً
مهما تذرع بالهوى المستأسد؟

أنسيتَ أن النور يجتث الدجى
ويبيد ظلمة كل ليل أسود؟

أنسيت أن الخير إن يغش الوغى
فلسوف يمحق كل شر مُجهد؟

أنسيت أن الرشد في دنيا الورى
يُردي هوى المتخرص المتبلد؟

أنسيت أن الصدق يرفع أهله؟
وبرغم أنف الكاذب المتزيد؟

أنسيت أن العدل يبقى شامخاً
كالطود ، رغم الظالمين الحُسّد؟

أنسيت أن حقائق الأشياء أث
بتُ في التحدي من سراب صَيْهد؟

يا أيها المظلوم ، اخلصْ في الدعا
بتبتل ، والزمْ رياض الهُجّد

وابذلْ دعاءك في السجود ، فإنما
لم يدنُ مِن مولاه كالمتهجد

وارحم ذوي قرباك ممن أجرموا
هذي ورب الناس سُنة أحمد

لمّا تمكن مِن رقاب خصومه
سأل الجميع بلهجةِ المُتودد

ما ظنكم قومي بما أنا فاعل؟
قالوا: أخ برٌ عظيم المَحتِد

قال: اذهبوا الطلقاءُ أنتم في الدنا
والأمنُ موعدُكم ، فيا دنيا اشهدي

من يدخل البيت الحرام فآمنٌ
والأمن في أبياتكم غضٌ ندي

و(أبو معاويةٍ) أمانٌ دارُه
فبمثل هذا ، هل سمعت بمشهد؟

العفو أنجعُ إن أردت سعادة
والرفقُ أجدى مِن تطاول ألود

والصفحُ أنفعُ حِيلة ووًسيلة
تجتث غيم خِلافنا المُتبلد

والسِلمُ أفضلُ مِن حُروب أهلكتْ
عِز الإخاء ونورَ درب السؤدَد

يا أيها المظلومُ ، حقك واعدٌ
يرنو إليك بفرحةٍ وتودد

فارفق به من أخذ قارعة الردى
واخفض جَناحك للمُحِب الأرشد

لمّا يضِعْ حتى تعاني فقدَهُ
بل مُهدرٌ بين العشير العُند

نكِروه ، بل سلبوه دون هوادةٍ
واستضعفوك ، وأنت أقوى أصْيد

فاجهر به عند الذين تصامموا
أن يسمعوا حقاً نقيَ المورد

فلربما استهوى الذي يرثي له
فيصول صولة مُنصفٍ متوعد

ولربما عهدٌ تجدد بَدْؤه
كالفجر يقطعُ طولَ ليل سرمد

ولربما جمْعٌ يراجع نفسهُ
فيُعيد حقاً ، سيفه لم يُغمد

كم ظالم - في الناس أعماه الهوى
فإذا به يُردَى بخبث ألكد

نهب الحقوق ، ولم يكن متعففاً
أبئس بفعل المُستبد المُفسد

غرّته دنياهُ ، فكان أسيرها
فطغتْ على نيّاته والمَقصد

ومضى يَؤز بقضه وقضيضه
وينال بالتهديد كل مُوحّد

سَلِم العِدا مِن هوله ورماحه
وسَخاؤه في العِير لمّا يُجْحَد

أمِنَ العُتاة مِن الظلوم جميعُهم
وتجرّع الكرباتِ أهلُ المسجد

وبنى لأهل الجهل مجداً زائفاً
فبدا كبيرُهمُ بطلعة فرقد

يا أيها المظلوم: إن عزاءنا
في أمة الإسلام غيرُ مُحدد

فلئن ظلِمت ، فإن أمتك اكتوتْ
بالظلم يختم خافقيه ويبتدي

أمم الصليب على ترائبها جثتْ
وضغائنُ الكفار لمّا تنفد

ويهودُ أرض الله فوق سهولها
ورياضها وهضابها والأوهد

وعلى ربا الأقصى دمارٌ قاصلٌ
والكفرُ مُختال بوجهٍ أربد

وترى فلسطين الكسيرة تشتكي
ترنو لهيعة مَشرفي مُنجد

وترى على بغداد أخبث جحفل
متترس بسلاحه مُتسيّد

فوق الرؤوس صليبُه مُترنحٌ
وأتى الكِفارُ ضحىً لأحقر مَوعد

ويخط - فوق الرمل - سَطوته التي
هي من دم مُتضمّخ مُتبدد

سحقوا الديارَ بأهلها ، لم يعبأوا
يا ذل صُقع للعِدا مُستعبد

طعنوا النساء ، ولم يراعوا حُرمة
وتعقبوا الأطفال فوق الأنجُد

ذبحوا الكِبارَ ، ولم يبالوا غِيلة
ما بين مغدور به أو مُطرَد

وعِراقنا تحت الدغاول أحرقتْ
والكفرُ قبّحَ مِن أثيم مُوقِد

وشبابنا ذاقوا الأسى بصنوفه
ما بين مفتوكٍ به ومُصَفد

وهناك في (كشمير) كوكبة الهُدى
يغتالها الهندوسُ دون تردُد

وهناك في (البلقان) أكبر فتنةٍ
يحيا التقيّ بها بقلب مُكْمَد

أسفى ، وفي السودان شرٌ مُحدِقٌ
ولسوف يُسفر عن أذىً وتشرّد

أنى اتجهت على البسيطة مُسْلمٌ
يؤذى ، ومُسلمة مُكبلة اليد

وحُققونا ضاعت ، وأذهبَ عزَها
كيدُ الطغاة الكافرين الحُشد

وديارُنا اغتُصبتْ ، ودَك صِيانَها
هذا التسابقُ للرخاء المُخلد

ودماؤنا سُفكتْ بدون جريرةٍ
ونقودُنا حِيزتْ لأظلم أعبُد

وكرامة الأعراب في جوف الثرى
وتراثهم تحت الدمار المُرصد

ومُروجهم في الأسر تبكي خضرة
ذهبتْ سُدىً مع زهرها المُتورد

يا أيها المظلوم: هل من هبّةٍ
تزجي المُنى والجاه للمتشرد؟

لا يستوي المحبورُ والمقهورُ ، لا
شتان بين مُولول ومُغرد

ما العيش إلا طاعة لله في
حب وخوف وفق شرعة أحمد

ورجاء رحمة ربنا والخوف من
نار تلظى للطغاة بمَرصَد

والصبرُ نورٌ في دروب المُبتلى
وبه الكوارث لانفراج أغيد

والحِلم زينٌ ، لا سجية مثله
ودواء كل من احتواك بمرصد

والصبر نورٌ في دروب المبتلى
وبه الكوارث لانفراج أغيد

والحلم زين لا سجية مثله
ودواء كل ملفق مترصد

والرفق مرقاة تُبلغك العلا
وبه تسير على الصراط الأقصد

والعز يدركه التقي ، فلا ترى
مثل التقي ، فيا لأعظم سيد

والعلم أفضلُ ما يَنال من اتقى
والعالِمون - الدهرَ - أنبلُ قصّد

والزهدُ يجعل سالكيه أكابراً
خاب الذي في عيشه لم يزهد

يا أيها المظلوم ، ربك ناصرٌ
فاجأر إليه بحُرقةِ المستنجد

فالنصرُ للمظلوم منه تفضلٌ
فادع المهيمن في جوىً وتوجّد

هو رافعٌ هذا الدعا فوق الغما
م ، ومُقسم ٌأن لا انتصار لمُعتد

بل واعد بالنصر مظلوماً ، ومن
حاشا من الرحمن أصدقُ مَوعد؟

ولكل مخلوق تجبّرَ ساعة
يُقتص فيها من عتي ألود

ويُقال للمظلوم أخبرْ بالذي
لاقيت منه ، ويا خلائق فاشهدي

ويُقال للجبار أقصرْ واستمعْ
ويَمر بين الخلق أفظعُ مَشهد

وإذا الموازينُ التي ما أغفلتْ
مثقالَ خردلةٍ تُرى كي تفتدي

لا ظلمَ ، والرحمنُ يقضي بينهم
ويُغل بالأصفاد أظلمُ مُفسد

ويقال للمظلوم: جنتك ازدهتْ
وتزينتْ أرحابُها بزبرجد

وأساورُ الأضياف أنصعُ فضة
ولآلىءٌ قد رصّعتْ بزمرد

ولباسُهم فيها الحريرُ مُعطراً
ومطرزاً بجواهر في عَسجد

وحريمُهم حُورُ الجنان ، فهل ترى
في الكون أجملَ مِن حِسان خرّد؟

وشرابُهم عسلٌ وماءٌ والحليبُ
وخمرة ، يا نفس يا أنسِي ردِي

وطعامُهم لحمٌ وفاكهة ، وقد
لفت بطلح في الجنان مُنضد

وفراشهم مِن سُندس غض ومِن
إستبرق يسبي العيون مُمهد

وهُدوا إلى طِيب الكلام وعَذبه
وترنم بالقول مثل المنشد

يا أيها المظلومُ: سلْ رب الورى
جناتِ عدن في جوار محمد

واحقنْ سُعارَ الغيظ تسمُ إلى العلا
واهرعْ إلى التقوى ، ولا تتردد

وأدمْ دعاءك للمليك تذللاً
وعلى السميع إجابة المُتهجد

© 2024 - موقع الشعر