الطبع يغلب التطبع - أحمد علي سليمان

أراكِ عرفتِ أن الذئب ذيبُ
وجاهلة - إذن - مَن تستريبُ

يمينَ الله أنتِ نكأتِ جُرحاً
أليماً ، منه مَن يحبو يشيب

وقلبتِ الفواجعَ في الحنايا
فأدمتْها الدغاولُ واللهيب

وهيّجتِ المدامعَ باكياتٍ
ودمعُ عيونِها غيثٌ سَكوب

وأحزنتِ المشاعرَ والطوايا
فأوجعَها – على التو - النحيب

وأبكيتِ الفؤادَ بكاء ثكلى
نأى عنها إلى القبر الحبيب

وأدميتِ الضميرَ على المعالي
كما يدمي - على الطفل - الرقوب

ومزقتِ الخواطرَ في زمان
تعكّره المصائبُ والخطوب

وسربلتِ العواطفَ دون رفق
فآلمها التوجّعُ والوجيب

وصادفَ ما طرحتِ مِن المآسي
جراحاً كم يَحارُ بها الطبيب

وكم أمعنتُ في أخلاق صحبي
فآذتني المساوئُ والعيوب

فمِن مستهتر يهوى التدني
ويَحتقرُ الإخاءَ ، ويستغيب

ومِن متبذل يحيا ذليلاً
ولا ألقاه عن غي يتوب

ومِن مُتكلفٍ لا يحتفي بي
وأنصحُ ، والفتى لا يستجيب

ومِن مُتصنع عند التلاقي
وفي بسَمَاته شكٌ مُريب

وما قصّرتُ حتى يخدعوني
وتندلعَ القلاقلُ والحُروب

فكم أكرمتُ حُباً واحتساباً
وغاية ما أجودُ به القلوب

وكم أحسنتُ يسبقني وصالي
ورب الناس مُطلعٌ رقيب

وكم جاملتُ لا أرجو مديحاً
تساوى المدحُ عندي والنسيب

فكان الشكرُ مِن صحبي التجني
وخُذلاني ، وإن الخذل حُوب

كأني اخترتُ خلاني ذئاباً
مَخالبُهم دهتني والنيوب

عليَّ تجمّعوا ينوون قتلي
وكل فتىً له سيفٌ قشيب

ولم يتذكروا - يوماً - جميلي
وما مُتذكرٌ إلا اللبيب

وكالوا الانتقامَ بلا اكتراثٍ
وكفُ كبيرهم بدمي خضيب

وما احترموا المَشيبَ غرقتُ فيه
وكم يؤذي الغطاريفَ المشيب

وما رحموا اغترابيَ في البوادي
وكم يشقى برفقته غريب

وما احتفلوا بموعظتي ونصحي
ومتبعُ المواعظ ِلا يخيب

وما اعتبروا بذؤبان سواهم
طوتهم في ضراوتها الذنوب

فهل طبعٌ عليه البُلهُ شبّوا
وأوغل - فيه - شُبانٌ وشِيب؟

إذا ما استهوتِ المرءَ المعاصي
رأيتُ القلبَ تدمغه الشَّعوب

وتنتحرُ الفضائلُ في الحنايا
وتخفي حالَ صاحبها الغيوب

ولا يبقى له شأنُ النشامى
ولكنْ ثعلبٌ ضارٍ وذِيب

إذا ما غاص قلبٌ في التدني
فهل يُنجيه - مِن هذا - أديب؟

ويحيا - بالهُدى والبر - فذ
حسيبٌ في قبيلته نسيب

كمثل الشمس تنفعُ كل حي
إذا طلعتْ ، وإن حان الغروب

وإنّ الشمس يَدْهمُها مَغيبٌ
وذا الأخلاق ليس له مَغيب

© 2024 - موقع الشعر