اليتيم! - أحمد علي سليمان

كُلَّمَا أَمْعَنْتُ فِيهِ النَّظَرْ
أَدْرَكَتْنِي دَمْعَتِي تَعْتَذِرْ

لَمْ أَكُنْ أَدْرِي أَسَى حَالِهِ
عِنْدَمَا سَاءَلْتُهُ مَا الخَبَرْ

فَأَجَابَ السُّؤْلَ يبْكِي جَوَى
وَفِرَاقُ الأَبِّ يكْوِي النَّظَرْ

كَيفَ يحْلُو فِي الدُّجَى عَيشُهُ
دَامِعَ العَينَينِ يشْكُو الغِيرْ؟

يرْقُبُ الأَطْفَالَ فِي حَسْرَةٍ
وَيغُضُّ الطَّرْفَ يُقْصِي البَصَرْ

يرْمُقُ الفَرْحَةَ فِي أُنْسِهِم
ثُمَّ يكْوِيهِ السَّعِيرُ الأَمَرْ

كُلَّمَا ضَاحَكْتُهُم لامَنِي
قَالَ: مَا فِيكُم طِبَاعُ البَشَرْ

طَالَمَا آذَيتُمُونِي هُنَا
وَالأَذَى مَنْ ذِكْرِكُم يدَّكِرْ

تَقْرَأونَ الذِّكْرَ ، لَكِن عَمَى
وَكَذَا الحِكْمَةُ دُوْنَ العِبَرْ

أُسْوَتِي هَذَا النَّبِي الَّذِي
عَاشَ فِي اليتْمِ اقْرَأوا فِي السِّيرْ

فِي ذُرَى الفَرْحِ أَرَى جَمْعَكُم
وَأَنَا فِي اليتْمِ أَنعِي الصِّغَرْ

أَسْكُبُ الدَّمْعَةَ فِي كُرْبَتِي
وَأَبُثُّ القَلْبَ شَكْوَى الحَذَرْ

أَنْتُمُ اللاهُوْنَ فِي عَيشِكُم
وَلِمِثْلِي الدَّمْعُ بَعْدَ الكَدَرْ

بَينكُم تَجْرِي دُمُوْعِي سُدَى
يا قُلُوبًاً فِي الحَشَا كَالحَجَرْ

كُلُّكُم يبْكِي عَلَى مَالِهِ
لا عَلَى مِثْلِي ، فَكُلِّي هَدَرْ

سَائِلُوا أَخْلاقَكُم سَاعَةً
حَاكِمُوْهَا ، إِنَّهَا فِي خَطَرْ

لَوْ بِمَالٍ يشْتَرَى لِي أَبٌ
بِعْتُ نَفْسِي ، بَلْ وَلَمْ أَنْتَظِرْ

كَي أَرَى فِي الوَرَى لِي أَبًا
يمسح الدَّمْعَةَ ، يمْحُو الضَّجَرْ

يبْعَثُ البَسْمَةَ فِي خَاطِرِي
يحْتَوِينِي عَطْفُهُ فِي الغِيرْ

يشْتَرِينِي مِنْ كُرُوْبِي إَذَنْ
يُخمد النار ، حتى الشَّرَرْ

يمْنَحُ القَلْبَ الصَّفَا وَالهَوَى
وَيُسَلِّي الرُّوْحَ ، بَلْ وَالعُمُرْ

لَكِنِ الآبَاءُ لا تُشْتَرَى
آهِ مِنْ دَمْعِ الأَسَى المُنْهَمِرْ

أَشْمَتَ الأَعْدَاءَ يُتْمِي وَلا
ذَنْبَ لِي ، إِنَّ المَنَايا قَدَرْ

قِسْمَةُ المَوْلَى ، وَكُلِّي رِضاً
سَوفَ لَنْ أَجْزَعَ ، بَلْ أَصْطَبِرْ

وَسَأَقْضِي العُمْرَ لا أَشْتَكِي
وَعَلَى يُتْمِي أَنَا المُنْتَصِرْ

طَالَمَا عَذَّبْتُ نَفْسِي أَسَىً
طَالَمَا عَانَيتُ طُوْلَ السَّهَرْ

طَالَمَا أَوْجَعْتُ نَفْسِي عَزَاً
وَعَزَاءُ النَّفْسِ مِثْلُ السُّعُرْ

آهِ لَوْ يدْرِي الوَرَى عَزْمَتِي
لَرَأَوْا فِيّ (اليتيمَ الأَغَرْ)

رَبُّنَا المَوْلَى قَضَى أَمْرَهُ
عَزَّ فِي عَلْياهُ مِنْ مُقْتَدِرْ

أَيهَا الأُسْتَاذُ: كُنْ لِي أَبًا
يجْتَبِينِي ، ثُمَّ بِي يفْتَخِرْ

إِنَّمَا الأَوْلادُ فِي أُنْسِهِم
وَأَنَا رَهْنُ الأَسَى المُنْقَعِرْ

لا أَرَانِي مِثْلَهُم لَحْظَةً
مَا لِمِثْلِي خَاطِرٌ مُعْتَبَرْ

فَحُبُوْرِي خَلْفَ حُزْنِي انْزَوَى
وَدُمُوْعِي بِالجَوَى تَنْحَدِرْ

فَارْحَمِ اليُتْمَ الَّذِي لَفَّنِي
وَكَلامِي كَمْ بِهِ مِنْ دُرَرْ

وَتَخَيلْ (عُمَرًا) فِي يُتْمِهِ
عِنْدَمَا تُغْتَالُ أَو تُحْتَضَرْ

عَاقِلٌ مَنْ هَزَّهُ مَنْطِقِي
وَفَتىً فِي النَّاسِ مَنْ يزْدَجِرْ

© 2024 - موقع الشعر