بَدَت لَنا الراحُ في تاجٍ مِنَ الحَبَبِ - صفي الدين الحلي

بَدَت لَنا الراحُ في تاجٍ مِنَ الحَبَبِ
فَمَزَّقَت حالَةَ الظُلماءِ بِاللَهَبِ

بِكرٌ إِذا زُوَّجَت بِالماءِ أَولَدَها
أَطفالَ دُرٍّ عَلى مَهدٍ مِنَ الذَهَبِ

بَقِيَّةٌ مِن بَقايا قَومِ نوحٍ إِذا
لاحَت جَلَت ظُلمَةَ الأَحزانِ وَالكُرَبِ

بَعيدَةُ العَهدِ بِالمِعصارِ لَو نَطَقَت
لَحَدَّثَتنا بِما في سالِفِ الحِقَبِ

باكَرتُها بِرِفاقٍ قَد زَهَت بِهِمُ
قَبلَ السُلافِ سُلافُ العِلمِ وَالأَدَبِ

بِكُلِّ مُتَّشِحٍ بِالفَضلِ مُتَّزِرٍ
كَأَنَّ في لَفظِهِ ضَرباً مِنَ الضَرَبِ

بَل رُبَّ لَيلٍ غَدا في الآهِباتِ غَدَت
تَنقَضُّ فيهِ كُؤوسٌ وَهيَ كَالشُهُبِ

بَذَلتُ عَقلي صَداقاً حينَ بِتُّ بِهِ
أُزوِّجُ اِبنَ سَحابٍ بِاِبنَةِ العِنَبِ

بِتنا بِكاساتِها صَرعى وَمِضرَبُنا
يُعيدُ أَرواحَنا مِن مَبدَإِ الطَرَبِ

بَعثٌ أَتانا فَلَم نَدرِ لِفَرحَتِنا
مِن نَفخَةِ الصورِ أَم مِن نَفحَةِ القَصَبِ

بِرَوضَةٍ طَلَّ فيها الطَلُّ أَدمُعَهُ
وَالدَهرُ مُبتَسِمٌ عَن ثَغرِهِ الشَنِبِ

بَكَت عَلَيهِ أَساكيبُ الحَيا فَغَدا
جَذلانَ يَرفُلُ في أَثوابِهِ القُشُبِ

بُسطٌ مِنَ الرَوضِ قَد حاكَت مَطارِفَها
يَدُ الرَبيعِ وَجارَتها يَدُ السُحُبِ

باتَت تَجودُ عَلَينا بِالمِياهِ كَما
جادَت يَدُ المَلِكِ المَنصورِ بِالذَهَبِ

بَحرٌ تَدَفَّقَ بَحرُ الجودِ مِن يَدِهِ
فَأَصبَحَ المُلكُ يَزهو زَهوَ مُعتَجِبِ

بادٍ بِبَذلِ النَدى قَبلَ السُؤالِ وَمَن
في دَولَةِ التُركِ أَحيا ذِمَّةَ العَرَبِ

بَدرٌ أَضاءَ ثُغورَ المُلكِ فَاِبتَسَمَت
بِهِ فَكانَ لِثَغرِ المُلكِ كَالشَنَبِ

بَنى المَعالي وَأَفنى المالَ نائِلُهُ
فَالمُلكُ في عُرُسٍ وَالمالُ في حَرَبِ

بِبَأسِهِ أَضحَتِ الأَيّامُ جازِعَةً
فَلا تُصاحِبُ عُضواً غَيرَ مُضطَرِبِ

بَأسٌ يُذَلَّكُ صَعبُ الحادِثاتِ بِهِ
فَأَصبَحَ الدَهرُ يَشكو شِدَّةَ التَعَبِ

بِهِ تَناسَيتُ ما لاقَيتُ مِن نَصَبٍ
وَلَذَّةُ الشِبعِ تُنسي شِدَّةَ السَغَبِ

بادَرتُهُ وَعُقابُ الهَمِّ يَطرُدُني
فَاليَومَ قَد عادَ كَالعَنقاءِ في الهَرَبِ

بِكُم تَبَلَّجَ وَجهُ الحَقِّ يا مَلِكاً
بِهِ تَشَرَّفَ هامُ المُلكِ وَالرُتَبِ

بَنَيتَ لِلمَجدِ أَبياتاً مُشَيَّدَةً
وَلَم يُمَدُّ لَها لَولاكَ مِن طُنُبِ

بَسَطتَ في الأَرضِ عَدلاً لَو لَهُ اِتَّبَعَت
نَوائِبُ الدَهرِ لَم تُعذَر وَلَم تَنُبِ

بَلَّغتَ سَيفَكَ في هامِ العَدوِّ كَما
أَنشَيتَ سَيفَ العَطا في قِمَّةِ النَشَبِ

باشِر غَرائِبَ أَشعاري فَقَد بَرَزَت
إِلَيكَ أَبكارُ أَفكاري مِنَ الحُجُبِ

بَدائِعٌ مِن قَريضٍ لَو أَتيتُ بِها
في غَيرِكُم كانَ مَنسوباً إِلى الكَذِبِ

بَقيتَ ما دارَتِ الأَفلاكُ في نِعَمٍ
مَحروسَةٍ مِن صُروفِ الدَهرِ وَالنُوَبِ

© 2024 - موقع الشعر