حبيبتي أقبلت! (معارضة جاءت معذبتي ابن الخطيب) - أحمد علي سليمان

حبيبتي أقبلتْ في غِلسة الفلقِ
والثوبُ يَسترُها من خائن الحِدَقِ

تسعى ويَسبقها استحياءُ مِشيتها
وليس في سعيها شيءٌ من الخرق

فقلتُ: مرحى بمن صلتْ بمسجدها
صلاتها ، كالتي صلتْ من الغسق

فهل ضللتِ طريقَ الدار يا أملي
فجئتِ كي تسألي عن غامض الطرق؟

أم جئتِ كي تختلي بالحِب عن رغب؟
فقاطعتْني بصوتٍ خافتٍ أرِق

لا ، والذي رفعَ السما بلا عَمَدٍ
بل جئتُ أشكو الذي ألقى من القلق

أبي سيرفضُ ما قد جئت تطلبُه
يا صاحبَ الدين والإيمان والخلق

أنت الفقيرُ ، وإن حُزت التقى خلقاً
لكنْ يتوقُ أبي للدُر والوَرِق

فقلتُ: علّي بما لديّ أقنعُه
قالت: سيغلبه ما حاز من نزق

فقلتُ: جئتِ بحل والخلاص إذن
قالت ويلجمُها سيلٌ من العرق:

هذي الجواهر خذها كي تقدمها
في مجلس العقد في عز وفي شمق

فقلت: هذا جميلٌ منك محترمٌ
يوماً يُرد ، فذا كالدَيْن في عُنقي

أراكِ بعد الذي قدمت جوهرة
أفديكِ بالروح في هذي الوعود ثقي

قالت: أعودُ إلى الأهلين ، وابق هنا
لتركبن طبقاً في الغدّ عن طبق

وبارك الله من جاءت تعين فتىً
على الزواج ومَن في الدار تلك بقِي

واسترْ عليّ الذي أعطيتُ أرجو به
رب السماوات والأرضين والفلق

فقلت: بارك ربي في خطوبتنا
وأذهب الله ما نلقى من الفَرَق

وأخلفَ اللهُ ما أنفقتِ راضية
يا ربّة الحُسْن والجَمال والخُلق

وشدّ أزرَكِ في الدنيا وضُرتها
مَليكُنا خالقُ الإنسان من علق

وتممَ الفضلَ مولانا وخالقنا
وخففَ الله ما نلقى من المِشَق

مناسبة القصيدة

(قال لسانُ الدين بن الخطيب واصفاً لقاءً بين عاشقين: عاشق جريءٍ يُرحبُ بها ويتبسط معها ، ويُقبلها وتُقبله في جرأةٍ عجيبة! وأما العاشقة فقد أقسمتْ بحق عيونها نصياً! والأصل أن لا نقسم إلا بالله تعالى! ناهيك عن جُرأتها عندما حدثها عاشقها عن الحرام والحلال فقالت: اجعلْ ذلك العناقَ وتلك القُبلة في عُنقي! أما قصيدتي: (حبيبتي أقبلتْ!) فهي حوارٌ دار بين عشيقيْن مؤمنيْن يخافان الله تعالى والدار الآخرة! وكان العاشقُ قد أرسل أمه وخالته لمُدارسة أمر خِطبتها قبل لقاء الرجال! فنظرتا إلى العروس ، وشمتا مَعاطفها ، ونظرتا عُرقوبها كما تقول السُنة ، وناقشتا الأمرَ معها ومع أمها ، ولقيتا القبول! فعادتا إلى ابنهما العاشق الولهان وأخبرتاه الخبر! وأما العروس فتعلمُ أن أباها كان قد رفض خطاباً كثيرين تقدموا لها لأنهم فقراء! فخافت العروسُ أن يُصيب ذلك الخطيبَ الجديدَ ما أصاب سابقيه من الرفض! ولما علمتْ أنه ذو خلق ودين ، قررتْ أن تُعينه على الزواج منها! فجمعتْ حُليّها التي لا يعرفُ أبوها عنها شيئاً ، وذهبتْ لدار الخطيب المنتظر بعد صلاتها للفجر في المسجد! وقدمتْ إليه المجوهرات لكي يُقدمها فلا يرفضه أبوها كعادته! فشكرَ لها ، وعاهد الله أن يرد لها هذه الهدية واعتبرها دَيْناً عليه! فقمتُ بصياغة الموقف شعراً ، وذلك بمعارضة لسان الدين بن الخطيب! وإن لم أبلغ شأو وشأن ابن الخطيب في الإجادة والكتابة ، وهذا أعترف به للرجل لأنصفه! فيبقى لي شرف المحاولة الذي أدندنُ حوله كثيراً عندما أعارضُ أحداً من الشعراء! ولكنني أعتقدُ اعتقاداً جازماً قاطعاً أن المناسبة والجو النفسي أفضل بكثير من الموضوع والفحوى عند ابن الخطيب! والمقارنة للتاريخ وللجمهور في المستقبل! وأشكرُ من كل قلبي الأستاذ الشاعر النبطي السعودي الكبير سلطان الهاجري! فقد كان سبباً مباشراً في صياغتي لهذه القصيدة! حيث تحدّاني بها على حد تعبيره!)
© 2024 - موقع الشعر