كَذا فَليَصبِرِ الرَجُلُ النَجيبُ - صفي الدين الحلي

كَذا فَليَصبِرِ الرَجُلُ النَجيبُ
إِذا نَزَلَت بِساحَتِهِ الخُطوبُ

يَسُرُّ النَفسَ ثُمَّ يُسِرُّ حُزناً
يَضيقُ بِبَعضِهِ الصَدرُ الرَحيبُ

وَيُبدي البَأسَ لِلأَعداءِ كيلا
تُؤَنِّبَهُ الشَوامِتُ أَو تَعيبُ

وَمِثلُ عُلاكَ نورَ الدينِ مَن لا
يُقَلقِلُ قَبلَهُ نُوَبٌ تَنوبُ

فَإِنَّكَ في جِلادِ المُلكِ خَطبٌ
وَفي يَومِ الجَدالِ لَهُ خَطيبُ

تَخافُكَ حينَ تَزجُرُها الرَزايا
وَتُجلى حينَ تَلحَظُها الكُروبُ

بِقَلبٍ كُلِّ فِكرَتِهِ عُيونٌ
وَطَرفٌ كُلِّ نَظرَتِهِ قُلوبُ

وَإِنَّ يَدَ الرَدى وَوُقيتَ مِنها
سِهامُ خُطوبِها أَبَداً تُصيبُ

أَرَتكَ بِفَقدِ فَخرِ الدينِ رُزءاً
تُشَقُّ لَهُ المَرائِرُ لا الجُيوبُ

كَريمٌ ما بِسَمعِ نَداهُ وَقرٌ
وَلا في وَجهِ نائِلِهِ قُطوبُ

وَلَو أَنَّ الوَغى سَلَبَتهُ مِنّا
وَبَزَّتهُ الوَقائِعُ وَالحُروبُ

لَقامَ بِنَصرِهِ مِنّا رِجالٌ
تُزَرُّ عَلى دُروعِهِمُ القُلوبُ

بِبيضٍ يَغتَدي نَملُ المَنايا
لَهُ مِن فَوقِ صَفحَتِها دَبيبُ

وَخَيلٍ كُلَّما رَفَعَت عَجاجاً
جَلاهُ الدِرعُ وَالسَيفُ العَضيبُ

كَأَنَّ مُثارَ عِثيَرِها سَحابٌ
حَدَتهُ مِن سَنابِكِها جَنوبُ

أَفَخرَ الدينِ كَم أَعلَيتَ فَخراً
لِآلِكَ حينَ تَشهَدُ أَو تَغيبُ

بِرُغمي أَن تَبيتَ غَريبَ دارٍ
وَعِشتَ وَأَنتَ في الدُنيا غَريبُ

وَتَخلو مِنكَ أُمنِيَةُ المَعالي
وَيَمحَلُ ذَلِكَ المَرعى الخَصيبُ

وَتَدعوكَ الكُفاةُ وَلا تُناجي
وَتَسأَلُكَ العُفاةُ فَلا تُجيبُ

وَيُقسَمُ في الأَنامِ زَكاةُ مَدحٍ
وَما لَكَ في نِصابِهُم نَصيبُ

خَفيتَ عَنِ العُيونِ وَأَيُّ شَمسٍ
تَلوحُ وَلا يَكونُ لَها مَغيبُ

فَصَبراً يا بَني إِسحَقَ صَبراً
فَرَبُّ العَيشِ بِالحُسنى يُثيبُ

وَخَفَّض عَنكَ نورَ الدينِ حُزناً
تَكادُ الراسِياتُ بِهِ تَذوبُ

فَإِنَّ قَريبَ ما تَخشى بَعيدٌ
وَإِنَّ بَعيدَ ما تَرجو قَريبُ

وَليسَ الحَتفُ في الدُنيا عَجيبُ
وَلَكِنَّ البَقاءَ بِها عَجيبُ

© 2024 - موقع الشعر