الشمسُ الغَرِيقَة... - محمد عبد الحفيظ القصّاب

الشمسُ الغريقة
...نشوة الغرق في الشمس

-------------------------------
ياذاتَ فرعٍ قد توشَّى أسودِ

فلقد ملكتِ صُروفَ ما ملكتْ يدي
يوماً بيومٍ تملكينَ سُجُونَه

قلبٌ، فقدْ يأبى إذا لمْ يُصْفَدِ
ولقد تغرَّبَ كلُّ حبٍّ دونه

حتَّى تجرَّعَ كأسَ ما لم ْ يَنْفَدِ
يحيا على أملٍ بأنْ يبني بهِ

أملاً جديداً إنْ يجدْ يتشهَّدِ
قدْ لامه الدمُ واستطابتْ نارُهُ

في المُهجةِ الثَّكلى على ما تغتدي
وكما يليقُ بكلِّ مُعتركٍ بَكى

وتصادمتْ شفتاهُ بالشِّعرِ الندي
وتحمَّلتْ عيناه سخطَ وقاره

فهما بحادثةِ الهيامِ بِمُبْتَدي
لولا العيونُ لما تشكَّلَ عارضٌ

كالحبِّ نعبدُهُ برئدِ المعْبَدِ
فإذا تجاسرتِ العيونُ فمنْ أنا

حتى أداري عنكِ أولا أقتدي
---

كلُّ العواطفِ في بساطةِ أمْرها
تبلى وتبقى في قشيبٍ أجْرَدِ

وفؤادُ مغتربٍ على كلماته
كفؤادِ متَّصلٍ ببوحٍ مُفْرَدِ

ما الفرقُ بينَ صبابةٍ وفصاحةٍ
وكلاهما بفؤادِ غيرِ مُغَرِّدِ ؟

وإذا الغناءُ على لسانٍ أعوجٍ
كان الغناءُ فما السبيلُ لأبتدي

فلقد رحلتُ عن البلاءِ من الهوى
أبداً بعيداً عن هواكِ المُلْحِدِ

لا يبتغي منَّي أُذَلُّ لغيرهِ
قدرٌ يزيدُ متاهةَ المتشرَّدِ

متشرِّدٌ أينَ الصوابُ بذلِّهِ؟
بعد الوقارِ وبعد عيشٍ أَحْمَدِ

وهو الغريبُ على المنالِ وأهلهِ
وينالُ جَهْراً رِفعةَ المتجلِّدِ

طعمُ الهوى تاهتْ مذاقته هنا
في طبعه ِ فكأنَّه لم يُوْلَدِ

---
في فُسحةٍ لتذكِّرِ الماضي بنا

همساتُ لونٍ ذابلٍ متمرِّدِ
يطفو على نسماتِ ليلٍ غاربٍ

وقد استمالتْ ساغبَ الحبِّ الصَّدِي
لم ينجذبْ في طورهِ وتمامِهِ

فلقد تقلَّبَ في طريقٍ أَوْحَدِ
وتهالكَ السَغبُ المريضُ بغربةٍ

مهما يباعِدْ قيدها تتجدَّدِ
أعيتْ على نفسٍ تُطالبُ بالفنى

ويُدارُ كأسٌ في لقاءٍ سَرْمَدِ
فمتى تُجاورْ نسمةَ القُربى بهِ

وتجمُّعَ الضدَّانِ فيه تُخْلَدِ
وتسافرُ الأيَّامُ دونَ مَعالِمٍ

في الذاتِ ترْسو حاضِراً في مَتْلَدِ
---

تَتَناغَمُ الأحْقادُ فيما حُكِّمَتْ
حتى تسيرَ مع الفلاحِ المُفْسِدِ

أحقادُ منصرفٍ إلى أحلامِهِ
وعذابهِ من ْ واقعٍ لم ْ يُنْشَدِ

ولقدْ تعلَّمَ في حياةِ فؤادِهِ
رشفَ السعيرِ بفيضِ شوقٍ مُوْقَدِ

وسعيرُ نائمةٍ على أوتارِهِ
تْلقى الأمانَ على حساب المَقْصَدِ

ألحانُهُ محروقةٌ في ظنِّها
وغناءُ رقصتها خلال المَشْهَدِ

وهو المناهضُ في شفافةِ لحنِهِ
نَعيَ الحياةِ على تردِّي المحْتَدِ

والمرتقي آهاتِ أبعدَ غيهبٍ
سفرٌ تنوءُ به عقولُ السؤددِ

في العقلِ بعضُ فصالها وعقودها
تَعبٌ سقيمٌ كالعنى للمِبْرَدِ

فادْعِي إلى قلبي رحيقَ تفكُّرٍ
في بعضِ حُسْنكِ علَّهُ أن ْ يهتدي

إنْ كانَ هامَ على الرياضِ لحسنها
فمنِ اشتباهِ صفاتِ خلقٍ أغْيَدِ

منكِ البصيرةُ للنُهَى قدْ أُعْجِبَتْ
بتناسُقِ الألوانِ فيما ترْتَدِي

---
ماالبحرُ،ما الشمسُ الغريقة ماالهدى؟

كلماتُ طقسٍ في الهوى لم تَزْدَدِ
فمضتْ إذا هي لامستْ عِقدَ المُنى

وتساتلتْ سرقتْ رقيبَ تنهُّدي
فالعينُ تبصرُ في فضاءٍ ضيِّقٍ

والنفسُ فيه أتلفتْ سِرَّ الغَدِ
هي لم ْ تَصِلْ عند َ العذابِ لكُنْهِهِ

فكثيرُ إفلاتٍ لفكرٍ مُوْصَدِ
وقليلُ إحكامٍ على شهواتِهِ

إلاَّ بما رَجَعَتْ لِعَجْزٍ مُلْحَدِ
---

ماالفكرُ، ما الإيحاءُ دون تصوُّرٍ؟!
وخيالُ ساحرةٍ تُذيبُ تجلُّدي

ما العشقُ إلا َّ فرحةً بتحرُّرٍ
وطباعُ طيرٍ هائمٍ مسترفدِ

ما القربُ بالأجسادِ وصلٌ مطلقٌ
فالروحُ إن ْ تَنعمْ بِبُعْدٍ تُنْجَدِ

وأنا البعيدُ عن اللقاءِ بغربةٍ
في العشقِ غيرُ سبيلِها لمْ أسأدِ

---
ما الروحُ لو سَرَحَتْ بغير تَصلُّفٍ

إلا ّ تهادتْ في الجوى المتوحِّدِ!
أنتِ الملاذُ إلى انعتاق غموضها

فمتى تقمْ بظلالها تَستَنْجِدِ
وإليكِ ترتفعُ الخواطِرُ صفوها

في القلبِ بعضٌ منكِ غيرُ مقيَّدِ
وكما تترجمُ دانياتٌ خمرها

بالقدرةِ الأسمى بذاتِ الموردِ
فشعاعُ قدرتها بسرِّ سُلافها

كشعاعِ روحينا بسرِّ الأكبُدِ
---

قد كان شعري فيكِ تيهاً قاهراً
والعشقُ لم يُخْمَدْ ولم ْ يتأوَّدِ

فكأنني بكِ لستُ أعرف جانباً
من أيِّ صبحٍ جئتِ ما لمْ يُوجَدِ

دلِفَ الرقادُ على هوانا مثلنا
فالشوقُ والنجوى كوهمٍ مُغْمَدِ

------------------------------------
(53)

الأردن -90
محمد عبد الحفيظ القصاب

© 2024 - موقع الشعر