إذ أتاه الأعمى - فريد مرازقة القيسي

إذ أتاهُ الأعمى...
 
أَأبدُو وَ لا أبْدُو ...كَطَيْفٍ مُشَرَّدِ
وَ بِي لَمْ يَعُدْ ظِلِّي كمَا كانَ تَقْتَدِي
 
أَطُوفُ أقاصِي الأرْضِ وَالحُزْنُ ظَاهِرٌ
وَهلْ يعرِفُ المَحْزُونُ مِنْ أيْنَ يَبْتَدِي؟
 
أسِيرُ بِلَا قَصدٍ كَفِيفًا عَصَايَ لَا
تُفَارِقُ طُولَ الدَّرْبِ حُزْنِي وَ لا يَدِي
 
وَ كُلُّ أمانِيَّ الجِميلَةِ عُلِّقَتْ
عَلَى طَلَلٍ أبكِيهِ فِي حينِ مرْقَدِي
 
حَنَانَيْكِ يَا أحْجَارَ (مَكَّةَ) أخبِرِي
خِيامًا بِهَا عَاشَتْ قَبائِلُ سَيِّدِي
 
بِأنِّي دَنَا يَوْمِي وَ إنِّي لَمَيِّتٌ
وَ حِينَ ممَاتِي هَلْ أُجَلُّ بِمَوْعِدِ؟
 
أيَذْكُرُنِي آلِي إذا مِتُّ بَيْنَهُمْ
وَ هَلْ حينَ إقْبَارِي سَيفْرَحُ ملحَدي
 
أَيَا أَرْضَ أصْحَابِ الحَبِيبِ وَصِيَّتِي:
" تُرَابٌ عَلَى عَيْنِي بِأرضِ مُحَمَّدِ "
 
أَنَا الشَّوْقُ أعْيَانِي وَ لستُ بِصَابِرٍ
وَ هلْ يصبِرُ الطَّيْرُ الَّذِي لَمْ يُغَرِدِ؟
 
أتَصبِرُ أرضٌ عنْ ضِيا شمسِهَا التِّي
تُعَانِقُهَا صُبْحًا بِنُورٍ مُجَدِّدِ؟
 
أيَحيَا بِلَا وَصْلٍ خَلِيلٌ وَقلبهُ
كَشُعْلَةِ أخْشَابٍ تَلَظَّى بِموْقِدِ؟
 
أَلَا ليْتَ شِعْرِي هلْ أرى نُورَ وَجْهِهِ
مُعَلِّمُ أَوْصَالِي الصَّلاةَ بِمَسْجِدِ
 
لِ (يَثْرِبَ) قَدْ شُدَّ الرّحالُ وَ إنَّنِي
تَأَخَّرْتُ عَنْ مِيعَادِ رَكْبِ التَّوَدُّدِ
 
فَمَنْ قَدْ يُرِينِي الدَّرْبَ حَتَّى أَزُورَهَا
دِيَارَ بَنِي الأخيَارِ مِنْ قَوْمِ أحْمَدِ
 
تَخَلَّفَ عَنْ رَكْبِ الكِرَامِ ضَرِيرُهُمْ
فمَنْ يَا أهالِي ذِي القَوَافِلِ مُرْشِدِي؟
 
(بخٍ) للَّذِي أرْوَى فُؤادِي بِجُودِهِ
فَمَنْ يُلْحِقِ الأَعْمَى بِمَنْ سَارَ يَسْعَدِ
 
سَأبْقَى أواسِي القَلْبَ حَتَّى أزُورَهُ
وَ لَوْ عِشْتُ أعْوَامًا أسيرُ إلى الغَدِ
 
أُدَارِي عَذَابًا طالَ من فَرْطِ لَوْعَتِي
وَ لَسْتُ قصيدِي عَنْ عذابِي بِمُبْعِدِ
 
لَعَمْرِي! عَذَابُ الحِبِّ فِي القلْبِ جَنَّةٌ
وَ حُبُّ رسُولِ الله ألحانُ مُنشِدِ
 
أرَدِّدُهَا حَتَّى أرَى الحَرْفَ بُرْدَةً
أُقَبِّلُهَا، فَاركَعْ لِربِّكَ واسْجُدِ
 
أَراهُ وَ قَدْ غَطَّاهُ نُورٌ بِخَيْمَةٍ
وَأصحَابُهُ مِنْ حَوْلِهِ كَالزُّمُرُّدِ
 
كَتَاجٍ بِلَا تَاجٍ وَيزْدَادُ رِفْعَةً
وَمَشْهَدُهُ يَعْلُو عَلَى كُلِّ مَشْهَدِ
 
أَيُوصَفُ خَيْرُ الخَلْقِ فِي شِعْرِ شَاعِرٍ؟
مُحالٌ بِلا شَكٍّ لِمنْ لَمْ يُقَلِّدِ
 
ألا يا رسُولَ اللَّهِ عُذْرًا قَصَائِدِي
تُحِبُكَ مُذْ قِيلَ القَصيدُ بِمَوْلِدي
 
أَتَيْتُكَ وَالعَيْنُ التي غابَ نورُهَا
تَرَاكَ هِلَالًا بثَّ نورًا بِأسْوَدِ
 
أكَاذِبَةٌ هَذِي ... عَلَى مَنْ أتَى بِهَا؟
بِعَيْشِي عَلَى حُسْنٍ بَدَا لَمْ تُسَدِّدِ
 
أطيلَةَ هَذَا العُمرِ مَا كُنتُ مُبْصِرًا
و كَانَ دوائِي نَظرَةً فِي مُحَمَّدِ؟!
 
بَلَا... إي نَعَمْ وَاللهِ إنِّي لَناظِرٌ
فَسُبْحَانَهُ رَبِّي! وَكَبِّرْ وَوَحِّدِ
 
إلَهِي أنَا عَبْدٌ دَعاكَ تَضَرُّعًا
بِأنْ لَا يَرَى إلَّا الجمالَ المُحَمَدِي
 
وَيَدْعُوكَ من بعدِ المماتِ شفاعَةً
مِنَ المصطَفَى طَهَ بِيومِ التَّشَدُّدِ
 
فريد مرازقة - الجزائر
© 2024 - موقع الشعر