وَطَنٌ يُتَاجِرُ بِالمِحَنْ

لـ أشرف السيد الصباغ، ، في العتب والفراق، 136، آخر تحديث

وَطَنٌ يُتَاجِرُ بِالمِحَنْ - أشرف السيد الصباغ

هَذِي الْحَيَاةُ كَمْ زَهَتْ بِهَا الْفِتَنْ
* * كُلُّ امْرِئٍ لابُدَّ يَوْمًا يُمْتَحَنْ
 
يَا سَائِلاً إِحْسَاسَنَا عَنْ غُرْبَةٍ
* * قُلُوبُنَا مَكْلُومَةٌ مِمَّنْ طَعَنْ
 
مَا بَالُكُمْ لا تَذْكُرُونَ حَالَنَا
* * إِلاَّ وَصَاحَتْ كَفُّكُمْ أَيْنَ الثَّمَنْ؟
 
هَلْ تَشْعُرُنَ مَا نُحِسُّ مِنْ أَلَمْ
* * فِي غُرْبَةٍ - يَا وَيْحَكُمْ - مِنْ غَيْرِ مَنْ؟
 
وَإِنْ سَأَلْتُمْ مَرَّةً عَنْ حَالِنَا
* * جَاءَ السُّؤَالُ بَارِدًا فِيهِ الشَّطَنْ
 
فَحَالُنَا مِنْ غُرْبَةٍ فِي كُرْبَةٍ
* * وَإِنْ سَأَلْتُمْ مَرَّةً، قُلْنَا: حَسَنْ
 
أَنَّى يَطِيبُ عَيْشُنَا فِي غُرْبَةٍ
* * وَقَدْ أَحَاطَ هَمُّنَا بِنَا وَشَنْ؟
 
هَلْ تَشْعُرُونَ كَمْ نُقَاسِي كُرْبَةً
* * مِنْ وَحْشَةٍ يَضُمُّهَا ذَاكَ السَّكَنْ؟
 
هَلْ تَسْمَعُونَ جُرْحَنَا أَمْ سَمْعُكُمْ
* * فِي غَفْلَةٍ عَنِ الْهُمُومِ وَالشَّجَنْ؟
 
هَلْ تُبْصِرُونَ حَالَنَا فِي لَيْلِنَا
* * أمِ العُيُونُ غَطَّهَا وَهْمُ الوَسَنْ؟
 
قَالَ الْوَبَا فِي حَسْرَةٍ لِمَوْطِنِي
* * رِفْقًا بِهِمْ وَلَا تُتَاجِرْ بِالْمِحَنْ
 
أَتَمْنَحُونَ خَيْرَكُمْ لِغَيْرِكُمْ
* * وَأَهْلُكُمْ بِغَيْرِ زَادٍ أَوْ مِهَنْ؟
 
لَئِنْ وَضَعْنَا فَرْحَنَا فَي كِفَّةٍ
* * وَتَرْحَنَا فِي كِفَّةٍ تَرْحٌ وَزَنْ
 
وَاسْمَعْ نِدَاءً مِنْ صِغَارٍ قَدْ أتَى
* * أصَابَ قَلْبِي مِنْ هُمُومٍ مَا وَتَنْ
 
أيَا أبِي مَتَى الإيَابُ يَا أبِي؟
* * حَتَّى مَتَّى غِيَابُكُمْ فَالقَلْبُ حَنْ؟
 
فَسَالَ دَمْعِي مِنْ عُيُونِي أنْهُرًا
* * هَوِّنْ عَلَيْنَا رَبَّنَا فالشَّوْقُ أَنْ
 
شَطَّ المَزَارُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ
* * وَحُبُّهُمْ فِي قَلْبِنَا رَغْمَ الشَّطَنْ
 
أَرْوَاحُنَا شَوْقًا إِلَيْهِمْ قَدْ سَرَتْ
* * وَكُلُّ شَيءٍ بَعْدَهُمْ رَهْنُ العَفَنْ
 
حَيَاتُنَا مِنْ دُونِهِمْ كَدَوْحَةٍ
* * حَزِينَةٍ بِلا ثِمَارٍ أَوْ فَنَنْ
 
وَمُكْثُنَا مَعْ أَهْلِنَا يَمْضِي كَمَا
* * يَمْضِي السَّحَابُ فِي السَّمَا بِلا وَهَنْ
 
فَاجْمَعْ إِلَهِي شَمْلَنَا وَرُدَّنَا
* * رَدًّا جَمِيلا بَعْدَ مَا طَالَ الزَّمَنْ
 
وَكُلُّ عُسْرٍ بَعْدَهُ يَأتِي الفَرَجْ
* * فَاجْعَلْ رِضَاكَ بِالقَضَا هُوَ الجَنَنْ
 
وَهَذِهِ وَصِيَّتِي لِكُلِّ مَنْ
* * طَاشَتْ بهِ أحْزَانُهُ عَبْرَ المِحَنْ
 
صَبْرًا أَخِي هَذَا سَبِيلُ المُؤْمِنِ
* * تَعْسًا لِعَبْدٍ فِي تَسَخُّطٍ رَكَنْ
 
كَمْ مِنْحَةٍ تَمَخَّضَتْ مِنْ مِحْنَةٍ
* * طُوبَى لِمَنْ رَدَّ الهُمُومَ بِالسُّنَنْ
 
يَا رَبَّنَا هَيِّئْ لنَا مِنْ أمْرنَا
* * عَوْدًا حَمِيدًا بَيْنَ أحْبَابِ الوَطَنْ
 
شعر/ أشرف السيد الصباغ

مناسبة القصيدة

الغربة كربة، وأعظم الغربة غربة الوطن، وأشد الكربة كربة الغربة. قال المبرِّد: "جسمي معي غير أنّ الرّوح عندكم، فالجسم في غربةٍ والرّوح في وطن فليعجب النّاس منّي أنّ لي بدنًا لا روح فيه ولي روح بلا بدن" وقال: "إن الفراق لسانه الدموعُ، وحديثه الصمت، فمن أصعب ما يشعر به الإنسان في حياته أن يعيش في مكانٍ فيشعُر بالغربة فيه". ذكريات الماضي تتأجج، وعبرات الحاضر تتعدد. وما أعظم المحنة حين تتقاذف أمواجك بين غربة عن وطنك تنهشك، وكربة في وطنك تعزلك ! فما أقسى الغربة ! وما أمرَّ الكربة ! (بحر الرجز).
© 2024 - موقع الشعر