رقصةُ القُرصَانْ

لـ محمد عبدالرحمن شحاتة، ، في الوطنيات، آخر تحديث

رقصةُ القُرصَانْ - محمد عبدالرحمن شحاتة

الليلُ يبدو صورتينِ وخَلفَ دمعتِها
تسيرُ فيرتوي منها الغيابْ
في زحمةِ الأطفالِ تلعبُ
والضفائرُ من خيوطِ الشَّمسِ خضَّبَها الضَّبابْ
وطنٌ لهُ طعمُ الشِّتاءِ
فلا ينامُ الأمسُ في دِفءِ القلوبِ
وصوتُ سلمى لا يزالُ محمَّلًا ببراءةِ الأيامِ
يحملهُ السَّحابْ
**
وتقُصُّ أنباءَ المذابحِ في المساءِ
وترسمُ الذِّكرى
وينطق ثَغرُها "أخي نضالْ"
كمْ ظلَّ يلعبُ في حديقةِ بيتِنا
يجني ثمارَ البُرتُقالْ
**
وتذكرُ من طفولتِها
ذويها حينما رحلوا
ترددُ أنَّهم ساروا
وقد حمَّلتُهم شوقي
أخي..
أختي
وبعضًا من حنانِ أبي
وأمي حينَ تُغمِضُ عينها فوقي
**
عُدِّي
أناملكِ الصغيرةْ
قِصَصٌ هي الأعوامُ تُتلى في انكسارٍ
والمآذنُ باكياتٌ
والحمامُ يطيرُ فوقَ البيتِ
والدنيا قصيرةْ
عودي
فقلبُكِ راجفٌ
ويداكِ ترتعشانِ من هولِ الذخيرةْ
**
هذي ملامحُكِ البعيدةُ
سوفَ تُصبحُ بعدَنا تمثالَ فخرٍ للدِّماءْ
فلأنتِ روحٌ
قد أتيتِ مُبكِّرًا
لا أنتِ من نورٍ
ولا عيناكِ من طينٍ وماءْ
أنتِ القصيدةُ في يديَّ
إذا ابتسمتِ تُقبِّلُ الأرضُ السَّماءْ
**
كانت تعدُّ أصابعَ الحلوى
تخبِّئُ رُقعةَ الفستانِ
تفتحُ كلَّ نافذةٍ تطلُّ على الصَّباحْ
كانت تُرتِّبُ غُرفةَ النومِ الصغيرةَ
والعرائسَ
كي تنامَ على وسائدِها الجِراحْ
الآنَ يصفعُكِ الحنينُ و ذا بكاؤكِ في المَدى
فالشِّعرُ يُقرأُ في بلادٍ
لا ترى في النورِ ما قَد مزَّقتهُ يدُ الرِّماحْ
**
كمشكاتينِ
تغتالينَ كهفَ ظلامِ قريتِنا
وقريتُنا
كقنديلٍ يُحاصِرُهُ نضوبُ الزيتْ
وملءُ مدامعي شَغَفٌ
لنكهةِ قهوتي في البيتْ
لجدَّتِنا
إذا نادَت على سلمى
تقولُ
أتيتْ
**
هي لحظةٌ أُخرى
وتبدأُ رقصةُ القُرصانِ فوقَ سفينةِ الموتَى
فتحتَضِرُ الضَّحيَّةْ
لا شيءَ
نحنُ مُعَذَّبونَ
مُغيَّبونَ
مُشَرَّدونَ
مُهَمَّشونَ مِنَ القَضِيَّةْ
أنا ميتٌ
مُنذُ ابتسامِ رصاصةِ المتقلِّبينَ
وليسَ لي في الموتِ دِيَّةْ
لكنَّ فجرًا ما سيذكرُني
وسوفَ يطلُ من عينيكِ أيتُها الصَّبيَّةْ
**
الصُّبحُ آتٍ
ليسَ بينَ الموتِ والموتِ انفصالٌ
والحدائقُ فتَّحتْ أبوابَها
في وجهِ كلِّ العابرينْ
بينَ الأصابعِ رعشةُ الماضي
وخوفٌ مِن غَدٍ
نأوي إلى غارٍ
وننتظرُ الحمامَ ونحنُ بينَ المُتعبينْ
**
الفجرُ أقربُ مِن بكاءِ الليلِ
أيتها الصغيرةُ
والوقوفُ على الجراحِ
سيُنبِتُ القمحَ المُندَّى فاحملي عنِّي الدَّمارْ
لا ليسَ لي في الأرضِ نَهرٌ
جفَّ هذا النَّهرُ مِن بَعدِ الحِصارْ
إنِّي أنا العربيُّ حرفًا
فاكتبي نبضَ الفؤادِ من اليمينِ
إلى اليسارْ
© 2024 - موقع الشعر