بيروت في مواجهة الاحتلال - راشد الزبير

كفرت بكل الذي لقنوه لنا في المدارس
بكل البطولات كلّ الفوارس
بما قد قرأناه ما قد سمعناه
ما عدت أعرف أين الصواب وأين الضلال وأين التقاعس
كفرت بكل انتماء قديم لعنسٍ وعبس وقيس ودارِم
بما قيل عن حفظهم للمحارم
فبيروت قد عرّت العنتريات، أخزت طواغيتنا والعواصم
وأبدت لنا كلّ ما قد حفظناه صنع الرواة وصنع الدّراهم
فما أورثونا شموخا يُهاب ولا عزة تتخطّى السّحاب
وصرنا كحبات هذا التراب مهيناً يداس على كلّ باب
نهان ونلعق إذلالنا، نداس ونخنق أحلامنا
ونرضى حياة هي الموت ذلاً وللموت من ذاك أولى لنا
فماذا أجبنا من استشهدوا
غداة استغاثوا ولم ينجدوا
وماذا فعلنا لمن شرّدوا
ومن يصمدون بوجه الفناء كما يتحدى الدّجى الفرقد
فها هي في الساح عشرون دولة وعشرون ربّا وعشرون راية
وعشرون جيشاً وعشرون سوراً وعشرون سوطاً وعشرون غاية
ولبنان معتنق بالفداء وحيداً يصارع حتى النهاية
وأين التضامن، والاجتماعات تبرق تحت صنوف الدعاية
لكم طعنوا قبل صلب الفداء وهاهم ببيروت يبدون آية
فبيروت كانت مثار الغرائز في عرفهم وفراش الرذيلة
وكانت خليلة، تعّرت لتشبع جوع القبيلة
يطوقها النّفط بالمغريات، ويسرق من صدرها الحلم غيلة
ويستعبد الأمل المستكنّ بأحشائها لتظّل الذليلة
فترعى الجمال بساتينها وتبدل بالشّوك ظل الخميلة
ولكنها وقفت في شموخ كما تقف الكبرياء الأصيلة
كصنّين سامقة عالية
تدوس على الأسطر الخانيات من الشعر والنثر والقافية
وتلغي قواميسنا كلها لتكتب قصتها القانية
بذات الدم المتمرد كبراً على هذر الأعصر الخالية
وبيروت من ظنها المتخمون مجرد أمسية لاهية
هي اليوم أكبر من كل وجهٍ صفيق تمرّغ في الهاوية
تشدّ يمينا على جرحها وتولد فيها المنى الغالية
وتأبى التخلي عن الصامدين لتسحقهم ضربة قاضية
وتمضي إلى حتفها في شموخ يعزّ على الزمرة الخانية
ويكبر عهر الدويلات يمضي بكل أساليبه البالية
فتعلن زحف عزيز الجناب لتخرس في اللحظة التالية
أزحفاً وأرجلنا في القيود وحرباً وأحلامنا دامية
وآفاقنا لا تعيش الضياء ولا تعرف الأمن والعافية
لقد صارت الأرض تعني التراب وسوراً يطّوق أحلاميه
وصرت أفرّ من الانتماء لسجني وأرفض أغلاليه
فإن كان لابد من وثبة فحتماً على الطغمة الباغية
على كل طاغية مستبد وكفّ ملطخة جانية
لتزهر في كل قلب حياة تضيئ قناديلنا الخابية
1982
© 2024 - موقع الشعر