زَمَـنُ الأَلَمْ - الزبير كتاني

زَمَنُ الأَلَمْ
 
 
 
مَالَكَ أَيُّهَا الزَّمَانُ تُحَيِّرُنِي
وَتُمَثِّلُ دَوْرَ البَرِيءِ وَتَخْذُلُنِي
عَلَى مَاذَا أَيُّهَا الغَاشِي تَأْسُرُنِي
وَدَاخِلَ سَاحَةِ الحُزْنِ تَرْمِينِي
أَمَا كَفَاكَ قَمَرِي يَا زَمَانِي
كُلَّمَا رَأَيْتُهُ يَخْتَفِي ...
وَكَأَنَّهُ ...
يَهُودُ الشَّامِ خَائِفِينْ
لَهُمْ أَسْلِحَةٌ مِنْ أَعْدَائِهِمْ
وَمِنْ أَطْفَالِهِمْ فَارِّينْ
هُمُ الظَّالِمُونَ وَالأَطْفَالُ عُزَّلٌ
... وَهُمْ مَدَّرِعِينْ
فَهُوَ خَلِيلُهُمْ وَحَبِيبُهُمْ
أُعْطِيهِ كُلَّمَا أَحْمِلُهُ مِنْ إِحْسَاسٍ
فَيَحْمِلُهُ وَيُدَنِّسُهُ كَعُرُوبَةِ المُغْتَرِبِ
تَائِهاً بَيْنَ ظُلْمِ العَرَبِ
مَلْعُوناً تَحْتَ أَسَى الكُرَبِ
فَيَأْسُرُنِي دَاخِلَ أَسْوَارِ الظَّلَامْ
فَلَا يُرِيدُ هُدْنَةً أَوْ سَلَامِ
ثُمَّ يَهْرَعُ إِذْ يَرَانِي
يَا قَمَرُ يَشْفِيكَ رَبُّكَ مِنَ الطُّغْيَانِ
ًًََُُ
يَا أَيُّهَا الزَّمَانْ
يَا رَحِيقَ ثُعْبَانٍ خَبِيثْ
يَجْهَلُكَ النَّاسُ لَكِنَّنِي عَلِيمْ
فَقَدْ وَضَعْتَ أَحْزَانِ العَالَمِينَ عَلَيْ
وَخَتَمْتَهَا بِوَصْمَةٍ عَلَى الجَبِينْ
تُعَلِّمُ اللَّيْلَ كَيْفَ الظَّلَامُ يَكُونْ
تُعَلِّمُهُ ...
كَيْفَ تَتَصَارَعُ النُّجُومُ فِي سَمَاءِهْ
وَالقَمَرُ يُضِيئُهُمْ وَهُمْ شُهُودُ زُورٍ مِنْكَ مُخْتَفِينْ
كَقِتَالِ بَيْدِقَاتٍ عَلَى رُقْعَةِ شِطْرَنِجٍ
فَلَا يَكْتَفُونْ إِلاَّ بِسُقُوطِ المُلُوكْ
وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الأَحْجَارِ صُعْلُوكْ
فَالمَلِكُ حَازِمٌ مِثْلُ سَطْوَتَكِ يَا زَمَانِي
وَتُعَلِّمُ السُّلْطَانَ كَيْفَ السَّطْوَةُ تَكُونْ
ًًََُُ
يَا أَلَمُ رِفْقاً بِحَالِي
قَدْ عَلَّمْتَنِي كَيْفَ أُقَاوِمُ بِالأَمْسِ لَكِنْ
بِالأَمْسِ كَانَ مُفْتَعِلٌ
أَنْتَ اليَوْمَ مُشْتَعِلٌ
وَلِهُرُوبِي مِنْكَ فَاشِلٌ
وَأَنَّكَ لِي قَاتِلٌ
وَبَعْدَهُ لِرَأْسِي حَامِلٌ
فَيَازَمَانِي رِفْقاً بِحاليِ
قَدْ كَانَ بِالأَمْسِ أَمر طبيعي لَكِنَّهُ
مَرَّ عَلَيْهِ الكَثِيرُ وَتَعَلَّمُوا
كَأُمِّ فِي غَزَّةَ جَمَّدَهَا الذُّعْرُ
وَسَطُو عَلَيْهَا مِنْ هُمْ المُلُوك وَلَمْ تُبَالِي
لَكِنكَ يَا زَمَانِي أَنْتَ القَاسِي
وَلَكِنَّكَ لَنْ تَتَمَكَّنَ مِنِي
إِنَّكَ مَلِكُ الظُّلْمِ أَدْرِي
إِنَّكَ القَاسِي أَدْرِي
إِنَّكَ العَادِي إِنكَ البَادِي
إِنَّكَ الغَاشِي إِنك الصَّافِي
إِنَّكَ القَاتِلُ إِنَّكَ المُحْيِي
إِنكَ السَّالِمُ إِنَّكَ الجَانِي
أَدْرِي وَلَكِنَّنِي سَأَجْتَثُّ مِنْكَ سَعَادَتِي
... كَمَا سَلَبْتَ فَرَحِي
كَالنظْمِ مِن عَبَث
كَالتَّجَمُّدِ مِنَ الغَلَيَان
كَالذِّكْرَى مِنَ النِّسْيَان
كَالمَعْنَى مِنَ الهَذَيَان
كَالإِقَامَةِ بَيْنَ اللاَّجِئِينَ
كَالحَيَاةِ بَيْنَ العَابِرِين
قَسَمًا بِرَمَادِي طَعَامُكَ مِنْ غِسْلِينْ
... يَا ظَالِمَ القُرَى
قَدْ رَأْيْتُكَ يَا قَاتِلِي
يَا أَلَمُ فَارْتَبِكْ قَلِيلاً
إِنَّنِي آتيكَ بِحِجَارَةِ غَزَّة
بِلَا مَسْكَنٍ بِلَا مَأْوَى
تَحْتَ قَصْفِكَ أَتْلُو سُورَةَ الأَعْلَى
فَلَا شَيْءَ مِنْكَ يخْشَى
يَا أَلَمُ فارْتَبِكْ قَلِيلاَ
فَضَوْءُ الفَجْرِ آت
وَلا بُدَّ لِلظَّلام أنْ يَنْجَلِي
وَلَا بُدُّ لِلسَّهَرِ أَنْ يَكْتَفِي .
... للشاعر : الزبير كتاني
© 2024 - موقع الشعر