"النفي إلى ذاكرة الصَّمت" - محمد جلال قضيماتي

وحدي
أتجوَّل في أقليم الضوءِ
أطارد أنسامَ الظل الهاربِ
من منفى الغاباتِ
إلى الزمن الغاربْ
وحدي
أتحسَّسُ في نوء الكلماتِ
صريرَ الريحِ على حاشيةِ الفيءِ
فأهربُ
من زمن الطوفانِ
إلى طقس النيرانِ
لأكتبَ
 
أو أتقرَّى
في ردهات الوقتِ
نزيفَ التاريخ الآيبْ
وحدي
ولهاث العشبِ
نبايع أنفاسَ الأرضِ
نلوّنُ بالأفكارِ
تضاريسَ الزمن الشاحبْ
نرسلُ في ميناء الصمتِ
قواربَ مجهولٍ ينأى
ثم يعودُ
مع الصبحِ الغائبْ
وكلانا
سَفَرٌ في أروقةِ الغيبِ
نُصِرُّ على الفتحِ المسكونِ بنا
ويلاحقنا
خلفَ جبال التيهِ
عزيفُ المقبل والماضي
 
وكلانا
لا نعرف من سرِّ الأنداءِ
سوى
أنَّ الأنفاسَ يردِّدها
في غَلَسِ البوحِ
طريقُ العودةِ والغربهْ
أتحاشى
وأنا أتحاور مع ظلّي
أن أعلنَ -لو في همس البوحِ-
بأنّي
ما زلتُ على شطآن العمرْ
أتحاشى
وأنا أتحدَّرُ من موتي
أن أكتمَ -لو في عقمِ الصوتِ-
بأنّي
ما كنتُ على شطآن العمرْ
لكنْ...
وأنا أتحاشى
 
أو أوغلُ في التذكارِ
وفي التسآلْ
ينهمرُ الظلُّ عليَّ
من المنفى المسكونِ
سؤالاً
في ذاكرةِ الصمتْ
ما لونُ الظلِّ
إذا خَبَّأهُ الظلُّ بنهدِ الريحْ.؟
ما وقْعُ الصوتِ
إذا أرَّخه الصوتُ بقيظ الرملْ؟
ما سرُّ الصمتِ
إذا سَجَّاهُ الماء بوعي الماءْ.؟
أتحاشى
ثم يداخلني
بالرغم حفيف القحطْ
فأقايضُ أحلامي
بنزيف الفكرة إذ تهمي
ناراً تتجرَّعني
وأنا المقتولُ على أبراجِ الروحْ
فأمدُّ إلى الأبعاد يداً
تتقصّى سرّاً ما يمليهِ المرجُ
على صفحاتِ الروحْ
وأحسُّ بأنَّ أوابدها
تترى
وغبارُ الطلعِ يعيد إلى الأعشابِ
نثار اللمح
فيجيب النزفُ دمي
وتظلُّ على الهمساتِ أماني الصبحْ
ماذا... لو أنّ الجرحَ تؤاخذُهُ
في ثورتهِ
آلامُ النزفْ..؟
ماذا.. لو أنّ الصوتَ تقاضيهِ
فيما يحكي
أصداءُ الحرفْ.؟
ماذا.. لو أنّ البحرَ تساورُهُ
وهو الممتدُّ على الآفاقِ
طيوف الخوفْ.؟
 
ماذا..
لا شيءَ سوى:
أنْ ينسى الجرحُ
وينسى الصوتُ
وينسى البحرُ
بأنّ الصبحَ إذا غَشَّى الأكوانَ
فكلٌّ بعدهُ فانٍ
إلاّ الموتْ
وبأنّ الماءَ إذا يترقرقُ
يغدو من نعماءِ الماءِ
خرابُ الكونِ
فكلُّ أوانٍ إثْرَهُ ميْتْ
ويقاضيني
وأنا المصلوبُ على جذع اللحظاتِ
مطافُ العمرْ
أتوسَّمُ
إذ أتوحَّدُ في نار الأشياءِ
بأنَّ نقيضَ الشيءِ القادمِ
 
من أوجِ النسيانِ
هو الزمنُ المنقادُ إلى أصقاعِ الصفرْ
وأنا في ساعةِ إعدامِ الأزمانِ
رهانٌ متروكٌ
لا يسألُهُ عن سرِّ الحكمِ
سوى المشدودِ إلى ساحاتِ القتلْ
فأظلُّ وراءَ سياجِ الفكرةِ
مصلوبَ الإحساسِ
على أعمدة الهزءِ
تعرّيني المرآةُ
أمامَ ضمير الليلِ
وتلقيني..
كالثلج على قارعة القمرْ
وتباغتني
لحظاتُ العمرِ الهاربِ من ظلّي
وتذكرّني
بضميري حين يحاورني
فأقول لهُ
ما لستُ أقول اليومَ
-وإن أرغمتُ-
وأسرح في ملكوتِ الصبرْ
لا شيءَ هنا
يرتاح على واجهة العمقِ
سوى زبدٍ
يمتدُّ غثاءً إذ يلفظه السيلُ
إذا ما انهمر السيلْ
لا شيءَ..
وطعم الماء تغيِّرهُ
أعشابُ الطحلبِ..
تمطرهُ..
بهوَام السفحِ
وتعلنهُ
-وهو المنهيِّ عن الأزهارِ-
رحيقَ النحلْ
لا شيءَ..
وكل جفونِ الزهوِ
تغشيّها أصدافُ الليلْ
وإذا شرنقةُ الصُدْفةِ ما سألتْ
عمّا يعلنه الزهر من الأنفاسِ
يجيب الغيثُ
أمَا انحبستْ عنّي الأعماقُ
وبدّلها
زمنُ الإسفلتِ
بنزفِ الصدرْ..؟
وعروقُ الأرضِ تعاطاها
نسغُ الأهواءِ
وألقاها
خلفَ النسيانِ
تضاجعها حين الإخصابِ
جذور العمرْ..؟
ماذا..
لا شيء
وشيء يسكنني
فأرى..
في قطبِ الشيء الكامنِ
موتَ الشيءْ
 
وحدي
أتجوَّلُ في لاهوتِ الضوءْ
أتوارى في ناسوتِ الهزءْ
أتسلَّق أسوارَ الظلمهْ
وأنا المحكومُ بما تنبي عنه الكلمهْ؟
 
 

© 2024 - موقع الشعر