همومُ الذي لا بلاد لأبنائهِ - أحمد بشير العيلة

همومُ الذي لا بلاد لأبنائهِ
أحمد بشير العيلة/فلسطين
 
أجُرُّ الحقولَ بخيطٍ رفيعٍ كأن الحقولَ نسيمٌ
كأني الفراشةُ تسحبُ ظلاً على غزلٍ عربيّ
لتمضي فتاةٌ بكامل زينتها في البلاغة
تزيحُ المكانَ بكلتا يديها
أحوّطها بالكلام المعطّر من زيزفونٍ عتيق
تقولُ كفاني
فقد يستبدُّ البريقُ بطقمِ كريستال حول غروري
كفاني
سترفعني الريح إن لاحقتني الحكايا
سألمسُ زرقةَ أسمائكم إن علوْت
وأحسبكم سرب نحلٍ حواليّ
إني المليكةُ
هذا المجازُ زفافٌ ملوكيُّ للنحلةِ الأم
فإيّاكَ من غزلٍ آخرٍ
ليس لي قدرةٌ لأطيرَ سوى ما يعادل خمسةَ أشبارِ فوق القصيدة
وإياكَ من غزلٍ آخرٍ
قد تلمّ العرائشُ أفرعها خلف موكبِ هذا الثناءِ المحلى بقطر الكنافة
وتبقى العجائزُ في الشمسِ يفتحنَ ما قد تمشّطَ من شعرهن
يُطأطئنَ أفلاكَهن لتشربَ من ذكرياتٍ تموءُ بأحضانِهن
يخلخلن بعضَ الهواء الرتيبِ
ويتركن أعينَهُن حساءً لشمس الظهيرة
هنَّ العجائزُ يسكنَّ فوق الظلال
ويأكلنَ من سيرةِ السروِ
لا حُلْمَ يسكنهنّ
فهنَّ احتمالُ الخميرةِ في الخبزِ
أو حقنةُ الأنسولين لبعض الخلايا العتيقة
شيئاً ستأكلهُ الريحُ
لا حُلمَ يسكنهن، فكم قد تساقط وردٌ كثيرٌ قُبيلَ الوصول
لهذي العرائش
وكم قد تكسّر ضوءٌ أمامَ انحناء الظهورِ
وهنَّ الرسائلُ للغيبِ
املأْ مشاعرَهنَّ بماء الترجي
هنالكَ، في اللاهناكَ، سيسقين صبّارةً قرب عرش الإله
همومُ الذي لا بلاد لأبنائهِ عوسجٌ في الطريقِ
إلى سدرةِ المنتهى
ولما انتهى
بعثروهُ على خطوِ من يعبرون
تعثر خلقٌ كثيرٌ بتلك السماوات
زادت همومُ الذي لا بلاد لأبنائهِ
فلموا العجائزَ من تحت شمسِ الظهيرةِ
كي ينزعوا الشوكَ من طرقات السماء
تقول الحكايا
ذهبنَ إلى رحلةِ الموتِ مجموعةً واحدة
قطيعاً من البجعِ الساحليّ
وكنَّ على عجلٍ فنسينَ رجائيَ في البيتِ
كان المكانُ مَجازاً
وكنتُ أفككُ لغزَ انتمائي لبيتٍ من الشعر
كنتُ أحلل شخصيةً في روايةِ ماركيزَ
ثم أقودُ النهارَ إلى عسلٍ جبليّ
وكان المكانُ مَجازاً
لا ماءَ تحتي لأعلنَ نفسي مسيحاً
ولا ريحَ تحتي لأفتحَ هذا القلق
ولا نارَ تحتي لأهتفَ إني خليلٌ
ولا رملَ تحتي لأمسحَ دهنَ الغسق
لا شوكَ تحتي لأزحفَ نحو مصيري
ولا طينَ يقرأُ في الهمِّ آيَ الفلق
وقلبي احترق
أين العجائزُ يوصفن عشباً لقلبٍ كسيرٍ
أين العجائز
تردُّ الرياحُ؛ ذهبنَ ليبحثنَ في اللاهنالك عن عشبتين لتشفى
وتضحكُ مني البلاغةُ:
"سوف يَعُدنَ بُعيدَ رحيلكَ ،
ويسألنَ عنكَ حبيباتِكَ المُتعَباتِ من الانتظار".
 
كأن المكانَ مجازٌ
وأنتَ استعاراته الهادئة.
 
تعود العجائزُ
خمسونَ خدشٍ بأبصارهن
همومُ الذي لا بلادَ لأبنائهِ عمّقتْ جرحَهن
ولما وصلنَ ليعجنَّ ضوءاً لبعض الملائكةِ المُتْعَبين
سمعنَ كلاماً عصياً عن الفهم حولَك
فهل كنتَ تفعلُ شيئاً على الأرض حينئذٍ
وتقسمُ أنكَ كنتَ تنام على جسمكَ المنتهي
لا طيورَ بأعشاش روحك
كل الحواس تغادر منفىً رؤوكَ تموت عليه
وأنتَ الذي أغلق الباب دون اقتراب المعاني
وأنتَ البلاغةُ في موت سربٍ من الطير
أنتَ التفاهةُ في هيكلٍ مرمريّ
فكن شاعرياً لتُرْضِى النساء
وكن آدمياً ليختاركَ الموتُ منفىً
وكن فيلسوفاً ليختارك الحزنُ وهماً
وكن فوضوياً ليختاركَ الله نثراً.
 
أحمد بشير العيلة/فلسطين
8/2010
© 2024 - موقع الشعر