قافلة النحيب - نزار عبد الخضر

قافلة الحزن
وداعا أبي....
ذهبت وتركتنا مقيدين بالأحزان, بين جدران جعلها اللهيب الذي أخذك منا سوداء معتمة تأن منذ فاجعة الحريق......
 
-1-
أماه إني لا أطيق بك النحيب
والصمت ملعون ....
يصارع خلوتي حين الغروب
أماه قد جلست لي الأحزان
مجلسها الغريب
وتهافتت تدنو على ما صح
من جسدي السليب
والدار يا أماه وحش صامت ...
بشع الخليقة لا يجيب
يأتي إلي مراقبا نومي أراه....
ويال ذلك من رقيب
يأتي بأنصاف الليالي السود
في صمت مريب
يأتي بصمت قاصدا خوفي الرهيب
أماه والليل الذي لا ينتهي ...
لن ينتهي
وعويل أهل النار فيه كأنه....
لحن رتيب
يعلو ويخبو بين أجنحة الظلام
ويتمتم الموتى ...
بحزن من بعيد ومن قريب
قرب المعاد
من بعد ذاك الليل لا صبح ولا فجر...
ولا حتى كئيب
 
 
 
 
إني لأسمع صوت قافلة تساق
إني لأسمع صوت قافلة النحيب
أبتاه عذرا صوت ناقوس النهار
يدمي الجروح...
وذاك جرح لا يطيب
حتى بعرسي الصامت المحزون...
تخنقه الكروب
وشباطك الملعون يخنقه اللهيب
ومع الرزايا كنت كالداني البعيد
ومع الجروح الكثر صوتك لا يزال
ولن يغيب
 
 
 
 
 
 
 
 
-2-
وذكرت من لحضاتنا الثكلى التي...
ما عاد فيها من سرور
تعدو سريعا...
نحو ساعات الوقوف إلى النشور
إني لأحسد تلكم الأطفال من....
لعبوا بشارعنا الصغير
لم يشعروا يوما بأشباح القبور
لم يشعروا أبدا بأن اليوم يعدو
خلف ساعات النهار
والعام تمضغه السنون
والشهر تأكله الشهور
 
 
 
 
 
 
ما عاد قنديل
بظلمة تلكم الأيام في أفق ينير
ما زلت اسمع قهقهات الموت يضحك
في حبور
ما زلت انتظر المنايا في خضوع
ما زلت احتقر الرجوع
ما زلت احتقر الرجوع
-3-
ما زلت ازخر بالجراح وبالشجون
دوما وحين اسآئل الطلاب عن آبائهم
في الصف تعصرني الهموم
 
 
 
 
 
 
 
تأتي بعيني عبرة كبرى
فتعصبها العيون
اوكان ضيفا غادرا
في ظلمة الليل الذي لا ينتهي
ذاك المنون
-4-
رحماك يا من قد يجير ولا يجار
لم يأتي يوم لم يبارحني انكسار
في كل أروقة الخراب أرى السواد
وفي الجدار
والدار تشغر فالديار
مذ جاء هذا اليوم فارقها النهار
 
 
 
 
 
 
-5-
أبتاه عذرا لم تزل
خطواتك المتعثرات..
تغور في اثر عميق
وسريرك الخاوي على السطح الذي
ما جيء من خبر له
أبدا وما شهد الحريق
أبتي وأعقاب السجائر لم تزل
جمراتها الصغرى بقارعة الطريق
وعصاك والكرسي والأوراق
والقلم الرشيق
كل يئن باشتياق
كل يظنك تستفيق
 
 
 
 
 
أبتاه إن سناءك الخابي على
جدران منزلنا العتيق
ما زال بين سواده
طبع لملمسك الرقيق
طبع لأيد تستغيث بلا مغيث
وأنامل... وأظافر....
ترنو لذاك الجمع في الم عميق
-6-
ووقفت مهموما...
أصارع خلوتي بين القلوع
أبتاه لا تبلى سريعا...
إن لي أمل الرجوع
أبتاه حين رأيت...
أجنحة القبور على امتداد....
 
 
 
 
كالبحر تملئه الجموع
تمتمت مهموما
على طول المقابر في خنوع
وقرأت ياسينا....
على طلل الرقود وفي خضوع
ورجعت منبهر السريرة...
شاردا ... ومكفكفا اثر الدموع
أوقدت في أغوار ذاك القبر
آلاف الشموع
وخططت في عود صغير في يدي
وبقرب رمسك...
رمسنا بين الربوع
 
 
 
 
 
 
وصرخت باسم الله
مجبور السريرة بانكسار
ما عدت احلم بالرجوع
ما عدت انتظر الرجوع
-7-
صبرا على قلب تمزقه الحراب
ما زالت الذكرى الحزينة
مثل غربان تحوم على الخراب
في كل يوم...
كنت في شباكنا الخرب الصغير
ابكي على ما كان يا أبتي
وانتحب انتحاب
 
 
 
 
 
 
وأسآئل الأشياء في فيض من الحزن الذي
فقد الجواب
ما كان يمنع والدي....
والباب يشرع بالذهاب
ما كان يمنع والدي ......
والباب يشرع بالذهاب
-8-
هذا حزيران الذي يدنو فيخنقني العتاب
ما جاء عرسي فيه يا أبتي سعيدا
إنما جبل اكتآب
وبتلكم الكلمات أغلق قارئي ورق الكتاب
 
ناصرية
2001
© 2024 - موقع الشعر