منظومة المارد والشارد - لفى الهفتاء

في ليلةٍ إثر القبيلةِ والبتول
بين المنازلِ والطلول
عانقتُ من زرقاءِ ميٍّ فرقدين
وسمعتُ حولي غانياتِ الجنِّ ينشدْنَ الرُّباعيّاتِ لا يا سوأتاه
وتليتُ ألفاً بعدَ ألفِ تلاوةٍ
وإذا بماردَ قد علوتُ بنارِهِ
من ساوةٍ أغضي إليهِ على بحيرةِ جاوةٍ
 
قالَ: أأنتَ مَنْ جمعتَ ثلاثةً
علماً وتأويلاً ورؤياً تسبحُ الأفقُ لها
كانتْ من العصرِ القديمِ وراثةً
فعليكَ من ختمِ بني هنّامٍ الحقُّ المبينُ فعشْ بهِ لا تكتربْ
فأمرتُ قلبي لا تطعْهُ وإن أتى لكَ ناصحاً يومين فاْسجدْ واقتربْ
وبوافرِ الشعرِ خرجتُ بأربعٍ وأقول:
فإنْ قلتَ أنا حقٌ مبينٌ
................فإنكَ لم تكنْ حقاً مبينا
أراكَ مارجاً من نارِ دهرٍ
................فتطلبُ باطلاً ماءً مهينا
فإنْ مدّيتَ منّا شاعراً لا
................محالةَ أن يموتَ الشعرُ فينا
فلا تبكِ لنا من داءِ دنيا
................وإن مُتنا فلا تبكِ علينا
 
قالَ: ألا تحكي عن الماضي الكئيبِ برحلةِ الطفلِ الغريبِ وما بها؟
قلتُ: لهُ ذاكَ الذي أضحى حديثَ القريتين
وتحدَّثتْ عنهُ حرائرُ كربلاءَ الباكياتُ على الحسين
ولدَ بأرضِ الجنِّ من تحتِ الدُخان
أسمَتْهُ أمُّهُ أغربَ الأسماءِ كيْ لا يُحسدَ
حتى أتاها قارئُ الفنجانِ من أرضِ العراقِ يقولُ لها:
هذا قتيلُ السبتِ من سودِ الحضارمِ في مضاربِ حضرموت
يُدعى لهُ عامينِ سرُّ الكهنوت
حتى يموت
 
قالَ: ومن أنتَ لهُ؟
قلتُ: أنا ذاكَ الذي فيهُ الحديثُ الدنيويُّ يطول
خطّيتُ ما خطَّ بهِ إدريسُ حينَ دلالةٍ
وخدشتُ ما خدشَ أنوش
لو كنتُ أجهلُ ما بغيبِ الباقياتِ وبالخدوش
وعلى البسيطِ بهذهِ قد سغتُ يوماً عنوةً
ثائيّةً فيها أقول:
إني نجثتُ غموضَ الخالياتِ لها
..............ما أوضحَ الخالياتِ عندَ من نجثا!
 
وخلالها في كلِّ أرضٍ زرتُها
تتحدّثُ الأعرابُ عما قد أتى
وأقولُ: يا أعرابُ مما قد أتى
من يحجبُ شمسَ الصباحِ بأصبعٍ
يأتي ليحجبَ في الزمانِ قصيدتي
وأكونُ شاكرَ ظلمةَ الجهلِ التي كانتْ منارَ الجاهلين
فيما يقولُ العالِمونَ جميعهم بالعالَمين
 
واللهِ لو كُشفتْ رموزُ قصيدتي
تهدي إلى اليونانِ والرومانِ ألفَ قصيدةٍ
تلكَ أتتني من بني دهمانَ أو غيلانَ أو قيعانَ أو من غيرهم
عن سائرِ الركبانِ للإنسانِ أو للجانِ يكملُ رسمُها
عن حرّةٍ سادتْ حرائرَ محلسٍ
ولبيتِها قلتُ على البحرِ الطويلِ من الطوالِ قصيدةً داليّةً
وأقول منها ما يلي:
بقاياً من البيتِ الكبيرِ وأهلِهِ
...........فقد كانَ للبيْنَيْنِ موتاً ومولدا
وورداً إلهيّاً لقطفةِ عاشقٍ
...........وكانَ لهُ يومَ التعبّدِ معبدا
بهِ تصدحُ الأضلاعُ منهُ تلاوةً
...........إذا عانقَ الرجلُ .. القوامَ المُسَرهدا
لسلمى نعم سلمى القصائدِ والهوى
...........لها كانَ شعري عن أبي مُتفرّدا
 
ولإجلها طفتُ الفدافدَ سبعَ ليال
حينَ ابن ماردَ ساقَ رخّاً أحمرَ
بمفازةٍ قدْ خلْتُها يوماً (سمائلَ) في الورى
أو (كهفَ سلمى) مجلسَ الجنِّ العتيق
أو ذلكَ الوادي المُخَبَّرَ (عبقرَ)
عن رحلةِ الأعشى وسرِّ هريرةَ في الكهفِ والرجلِ الكبير
فكأنهُ لي لافظٌ أو مسحلٌ أو هاذرٌ
وكأنهُ من طائرِ العنقاءِ والغولِ ومن جودٍ إليَّ موارقٌ
 
صافحتُ منهُ في الكريمةِ هيدباً
وركبتُ منهُ ديدباً
وبدأتُ أولجُ بالنشاصِ أناملي
قالَ: عليكَ اللهُ حسبكَ في الخلائقِ مبهماً
أوضحْ فقد حان القريض
من ذا الذي منهُ قضى يوماً غضيض
قد قلتُ عنهُ سابقاً
من عينِ حوراءَ تراهُ وميض
 
فسمعتُ صوتاً هاتفاً بالرجز مرتجزاً ومرتجلاً لهُ
أقول:
من عينِ حَوْراءَ أتى وميضُ
..............منها لنا بحرُ البَها يفيضُ
قالت: وإنّي بالهوى مريضُ
..............فهل لنا من شاعرٍ قريضُ؟
فقلتُ: لا .. أقالهُ جريضُ
..............فلو قضى منكِ نعم(غضيضُ)
 
حينَ مضى في أربعين جناح
تعدو عليها السابحاتُ من الجماح
والغولُ في أعقابهِ
حمراءَ كانتْ كالشهاب
بيضاءَ كانتْ كالسحاب
سوداءَ كانتْ كالغراب
تلتفُّ في جلبابهِ
 
قال سويعةَ ما مضى:
يا هيهِ من وادي الغضا
مَن أنتَ قلْ يا شاردَ الجبلينِ مَنْ؟
قلتُ: الذي عن أربعينَ عقيلةً مُعَانقُ أربعاً
بينَ الدخولِ وحوملٍ
بعدَ امرئ القيسِ بنِ حجرٍ ذلكَ الملك الضليل
وعقيلةٍ شهدَ الوطيسَ لها عقيل
 
حيناً لها فوقَ النعامةِ بادياً
وصدحتُ في الحيِّ بأبياتٍ على (المُتقاربِ)
كانتْ جناساً والجناسُ مُحَسّنٌ
فأقول:
وعن ذاتِ بينٍ طلبتُ جواباً
............حتى وإنْ قيلَ تحتَ (ظليمِ)
ولو كانَ لي خيلُ جنٍّ لزرتُ
............(نعامةَ) يوماً بُعيْدَ (ظليمِ)
أرى السحبَ طوراً سروجاً فيرجو
............(فضالةُ) طورينِ سرجَ (ظليمِ)
ولكن جهلتُ لسلمى مكاناً
............فكانتْ (فزارةُ) سرَّ (ظليمِ)
 
ثمَّ سمعتُ العزفَ عزفَ مواردٍ
من جنِّ عبقرَ يصدحونَ عشيّةً تلكَ الهساهسَ والزعيف
قلتُ: فما في العزفِ غير تخرصٍ
قالَ: أمَا كنتَ الغريبَ بأرضِنا
يومينِ تعتنقُ البسيطةَ والسقيف
كمْ عنكَ أخبارُ الثلاثِ البائداتِ على الوَرَى
يا صاحبَ الحبِّ العفيف
 
قلتُ: فما الأخبارُ حَسْبكَ مؤمنا
قالَ: لكَ منا قرينٌ بالقريضِ وتحتويهِ ويحتويك
قلتُ: فما في الجنِّ جنيٌّ يعانقُ صفحةَ الطوفانِ ختمُ قريضِهِ
قالَ: أنا إن كنتَ تعلمُ من أنا
أعطيكَ من رؤيا القريضِ تكهُّنا
ألفاً وألفاً والحروفُ شواهدٌ
باللهِ قلْ هلّا لكَ غيري أنا؟
 
حاكتْ لكَ سمراءُ عبقرَ طيلسان
ليلاً وسارتْ فيكَ أخرى غيرها بالهيدبان
وورائكم عشرونَ عائلةً تجاوبُ بالدياجرِ شاعراً
إنْ كنتَ تذكرُ ما كتبتُهُ سابقاً
فعلى السريعِ أرى المُحَسِّنَ والبديع
وأقول:
أنا الذي سيّرتُ في وحشةٍ
............من عبقرٍ يوم النوى عائله
حديتُ من وجدٍ ومن لوعةٍ
............ردّي عليَّ القولَ يا قائله
حتى سمعتَ من إسافَ نعم
............صوتاً ولم تصغِ لهُ نائله
 
هذا هو أنتَ الذي أصبحتَ لغزَ العالمين
فالشعرُ من أقلامِنا فوق الطليعةِ والرؤى
قلتُ: معاذ الله لستُ أنا عن الحقِّ كفيف
لستُ أنا ذاكَ الضعيف
حتى وإنْ كنتُ أراني مثلكم
بملاحمي وخواطري
وكلِّ حرفٍ فاقَ آفاقَ الكلم
بين الصحيفةِ والقلم
 
رجوى حميراءَ بها محو السفاسفِ والردى
رجوىَ خضيراءَ بها رسمُ الشقائقِ والندى
واخترتُ فيها من بحور الكاملِ بحراً وكانَ مرفّلاً
وأقول:
يا ربّةَ الحُسْنِ فديتكِ ما
.........دامَ الهوى يا ربّةَ الحُسْنِ
ما غبتِ طيفاً ساعةً ومَقا
.........مُ الطيفِ بين الجفْنِ والجفْنِ
 
تأتي غداةً من نعيمٍ في ملائكةِ النعيم
منها تهشّمَ قرنُ شيطانِ الجحيم
صوّرتُها حلماً تجسَّدَ نيدلاً
ومسحتُها علماً تحدَّثَ عندلاً
بين المقابرِ والمنابرِ ليلةً رسمُ العقيلةِ قد عفى
تُبنى على رسمٍ لتلكِ جوامعُ
أم تُهدمُ عندَ المسيحِ صوامعُ
لا أعلمُ لا أعلمُ
فالغيبُ مجهولٌ إلى أجلٍ ولستُ موارياً
 
واللهِ إني لم أجدْ حلاً لها عندَ الظفارييِّنَ يوم أقولها
والناسُ تبحثُ في المعاجمِ عن حقيقةِ عابرٍ ومقيم
وذهبتُ مرتجزاً بلا ركبٍ على الرجز القديم
وأقول:
تلكَ التي كالجوهرهْ
............ماتتْ بسبتٍ مُهْجَرهْ
وهنانةٌ بهنانةٌ
............ممكورةٌ موَّقرهْ
يا ليتَ قلبي عندما
............همْ شيَّعوها مقبرهْ
 
ماتت نعم سلمى فهل لي بعدَ سلمى مثلُ سلمى غيرُ سلمى لو أرى ما في الحرائرِ مثلها
ولِدَتْ بنا مرجوءةً
لكنِّها قُتِلَتْ بنا موبوءةً
حدّثتُ عنها بالهوى عفراءَ حميرَ وابنَ عجلةَ عنوةً
وطريفةَ الخيرِ وشقّاً بعدها
وسجاحَ والزبراءَ بعدها بنتَ مرٍّ فاطمة
قالوا: نرى عنكَ الحياةَ بركبِها مع كلِّ ذي حيٍّ تفوت
عجباً وربّكَ أنَّ مثلَكَ لمْ يمتْ
لكنْ غداً سوفَ تموت

مناسبة القصيدة

منظومة المارد والشارد والفضل بعد الله لأبي العلاء المعرّي الذي ألهمني في رسالة الغفران فنظمتها بين الشعر الحر والشعر العمودي (فصيحةً)ولي بها مثل حاجة يعقوب
© 2024 - موقع الشعر