درة الشهداء - الزبير عبدالحميد دردوخ

عانقتَ جرحَكَ كيْ تَظَلّ الأطْهَرا
ولكيْ تجِلّ على الزّمان.. وتكبُرا

الجرحُ أجْدَرُ بالعناق.. لأنّهُ
نورٌ توضّأَ بالدّما.. وتعَطّرا

يا دُرّةَ الشهداء.. كيف يضُمّهُ
صدرُ الزمان؟! وكيف يحويه الثرى؟!!

طفلٌ يُدافع بالحجارة عالَماً
لمّا رأى الأقصى يُباع، ويُشترى!!

طفلٌ يرى ما لا يراهُ الحاكِمُو
نَ، وهل رَأَوْا إلاّ سَراباً أخضرَا؟!!

طفلٌ يُرَتّقُ أُمّةً مغشوشَةً
بدمائه، مُسْتَبْشِراً ومُبَشِّرا

طفْلٌ يشدّ على الثّرَى بدمائهِ
كيْ لا يبيعَ الحاكِمونَ المِشْعَرا!!

شاء القضاءُ، بأنْ يكونَ سفينةً
نحوَ الخلودِ... فكنتَ أنتَ المُبْحِرا!!

وأسفتَ لمّا كان عمرُكَ واحِداً!..
لو كان أكثرَ... لاسْتَبَحْتَ الأَكْثَرا!!

بكَ قدْ بخِلْتَ على المَمَاتِ.. وإنّهُ
لَمفُاخِرٌ، لوْ شئتَه أنْ يفْخَرا؟!

أحْيَيْتَ يابسةَ الخُلودِ بقطْرةٍ
ولمسْتَ أهدابَ الظّلام فأبْصَرا!!

يا واهبَ الرُّوحِ الزّكيّةِ.. لا أرى
إلاّكَ حيّاً في الحياةِ.. فمَنْ يرى؟!!

غيرَ الذي اغتسَلَ الثّرى بِدِمائهِ!!
يا طِيبَ ما اغْتَسلَتْ به روحُ الثّرى!!

بعْتَ الحياةَ لِمَنْ أرادَكَ غانِماً
وابْتَعْتَ مِنْ نُعْماهُ ما لا يُشْتَرى..

إلا بمَنْ جَعَلَ الشّهادةَ دربَهُ..
وطَوَى إلى فجْرِ الخُلودِ الأَعْصُرا..

علّمتَنا أنّ الشّهادةَ مَعْبَرٌ
ومدَدْتَ رُوحك جِسْرَها كيْ تعْبُرا..

نحوَ الخلودِ مُعانِقاً أسْرَارَهُ..
فرأيتَ مِنْ أسْراره ما لا نَرى..

ودنَوْتَ منْ قُدْسِيّةِ الأنوَارِ ... إذْ
لامَسْتَها أطْلَعْتَ فَجراً أخْضَرا!!

يا درّةَ الأقصى وطُهْرَ صلاتِهِ
للّه كيف تَخِذْتَ مِنْهُ مِنبرا؟!

وخَطبْتَ في حجّ الوداع بخُطبةٍ
عَصْماءَ.. رتّلَها الزمانُ وفَسّرا!!

أطْلعتَ شمْسَ اليائسينَ بِشَهْقةٍ..
فَمسَحْتَ عن أرواحهم ليلَ الكَرَىْ!!

وكتبتَ في دنيا الشهادة سِفْرَها!!
ورسمْتَ للمُسْتَسْلمِينَ المَعْبَرَا

بِكَ تُقْسِمُ الأيّامُ لوْ منّيْتَها..
أمَلَ اللّقاء مشَتْ إليكَ القَهْقَرى!

كيْما تُعانِقَ فيكَ مَعْنَى خُلْدِها
وتضمّ فجركَ طاهراً مُتَطهِّرا!!

أنجَزْتَ وَعْداً صادقِاً أعْطيتَهُ،
ذُهِل اليقينُ لصِدْقِه،، وتَحيّرا!!

أعطيتَ.. لسْتَ مُبَدِّلاً.. ومُقَصِّراً
في عَهْدِه.. والعَهْدُ أنْ لا تُنْكَرا!!

يا وارِثي حُلمِ الشّهيدِ، وعَهْدِه
ومُناهُ ما آبَ الزّمانُ.. وأدْبَرا

عهْدٌ بأعناق الشّعوب مُعَلَّقٌ
إنْ يُحْفَظوهُ غدَا بِهِم فوقَ الذُّرَى

فبه اسْتَنارَ الراشدونَ لرُشدهمْ
وبِنَكْثِه رَكَنَ الخَؤُونُ إلى الثرى

أنتُمْ حُماةُ الحُلْم.. أنتم ذُخْرُهُ
فاسْتمْسِكوا من قبلِ أنْ يَتبخّرا

يا ليتَ أُمّتَنا التّي شُهدَاؤُها
- لوْ حاسَبوها، حرّموا عنْها الكَرى -

يا ليْتَها رَعَتِ الذِّمامَ.. وحَسْبُنا
مِن نَكْثِهِ أنّا - إذاً - شَرُّ الوَرَى!!

© 2024 - موقع الشعر