أحـــفاد الـــــريــح - خلف علي الخلف

آمل .. قالت الريح
 
أدونيس
 
*
 
من رفاةِ الميتين
 
من بريةٍ تثغو بها الأرواح
 
من شمسٍ تخبُّ في اثر الضعون
 
تسرج لذةَ الإبصار في ليل الضغائن ،
 
يا نشيدَ السراةِ وخطو خيولهم،
 
ورايات أمصارهم إذ تهلُّ مبايعةً على نحر اليقين .
 
.
 
ها هم
 
كلحية أعمى
 
أو حية صبحٍ
 
.
 
كالجنيات اللائي خطفن رداء الخضر
 
ليلبسن الماء رؤى الريح وينسجن
 
من بصر الماء كفن الصوفي الأول .
 
.
 
كريح انهكها الضيمُ
 
كعيونٍ تومض بالوجد وتبتلّ بماء العتمة
 
كليل المنادي
 
لا شمس تؤويهم
 
لا سيف يحمي حنطتهم
 
شربوا لهاث الخيلِ أمالوا الليل لسحنتهم
 
( والليلُ خطايا من وَهَبوا ثأر الضليل لقاتله(
 
.
 
ومضوا
 
روحاً لائبةً تتشوق سيفاً ،
 
من تحت عبائتهم ، ترتدُّ زغاريد التأنيث
 
تشرق شمسُ الواصلِ
 
تهمرُ عينَ الله دمعتها عليهم.
 
.
 
ما ولجوا الشام
 
ما سكبوا في الركن الشرقي من الأموي تحّنان الروح
 
ما صلّوا بردى
 
ما طلبوا ثأرَ الريح تهبُّ بأنفاس المضموء
 
وما رتلوا أحزانهم على أموات يثرب
 
إلا أن الريح تهذي بهم وتنادمهم ، وتصلي لشمسِ حملتهم
 
وهناً أوظمأً
 
وتذكر أولى خطوات سنّوها كأعراس الجنة أويتم الأعراب.
 
.
 
ناداهم قوس الله :
 
من يشرب من حفنة هذي الريح خطايا الخيل
 
أنادمه
 
أهبه هاجر أو ابنة مريم
 
.
 
صاح الحادي : من يشرب من حفنة مجدي دماءَ أبيه
 
أعطيه حصاني
 
وامرأتي المومس أضحية للشمس الغاربة
 
أعطيه نشيدَ الحكمة .
 
( هاكم ولدي ينسجُ مقلاعاً من أردية التأويل
 
أو من أهداب عيوني
 
يصقل من وهجي حجرَ الحكمة
 
بالحجر الأول يفقأ عين المبصر
 
بالحجر الثاني يفقأ عين الأعور
 
بالحجر الثالث يرمي الحكمة في أعينك (
 
.
 
مثل الأسرار يشفّون
 
من شجر خطاهم قطفوا صهيلَ الخيلِ
 
ورموا الهتّافين بجمر غضاهم
 
نهبوا الملأ من ميراث الفطرة
 
.
 
خطفوا نهار الله من أيدي الغافل
 
فاضوا
 
كبثور الجدري على وجه الفاضل نثرتهم ريح الخلسة
 
( لم يتركوا زيتاً على نيرانهم
 
لم يتركوا حطباً لمدفأة الشتاء
 
لم يتركوا مأوى لأطيار الطفولة (
 
.
 
كالظلمة
 
كالنارِ الموؤدة تحت رماد السيف
 
يمتشقون النأيَ
 
يَصَلَون البعد بنار الصوفي الأعمى
 
تكورهم النهارات بصاياتها تحملهم صوبَ عماء اللذةِ
 
صوبَ البصر المتوجس من ضوءٍ في دير الحنطة
 
صوب فزوع الفطنة
 
صوب بلاد عذراء كماء الله على صخر طفولتهم.
 
.
 
أطعموا أطيار ثاراتهم من قمح خلاّنهم
 
أكلوا ظلال الموتى، شربوا فحيحَ أفاعِ الماء ،
 
ما فسروا أنفاسهم ولم يأنثوا حيرة الدرب بأقدامهم
 
نهبتهم شمس صلاة الأضحى
 
نبحتهم كلُّ كلاب الحوأب ،
 
وقطا مثل صلاة الفجر ينحبُ أثار خطاهم
 
.
 
…) وأنا أرمي بالسعف مشراق الشمسِ
 
أدفن موتاي الشبقينَ بمراحِ الإلفة ،
 
أنبشُ بأصابع قلبي قبرَ المدفون "بدامر" أودعه خطاهم،
 
أزعم أن الله يهبُ الريح هبوباً من خاصرة التنوين
 
أو شفة نون الأنثى
 
.
 
أعفِّر وجهاً مامس مياه الجنب
 
بقشرِ الحنطةِ
 
تذريه نساءُ قريش اللائي يخطفن العشبة من روحي
 
.
 
يرمنّي لهاثاً
 
يغدوني الليل
 
رسولاً
 
ضيع حكمته بين منازل الإعراب
 
… ثم نام (
 
.
 
ساروا بمطايا تنوء بحمل صلاة الغائب
 
حفّتهم أطياف ملائكة تقرأ في الاصحاح السابع من سفر الحكمة
 
وعصائب طيرٍ تهديها نجوم تبرحها الشهوة
 
وكلب مشلول
 
يقتات ما يسّاقط من نفس مُضنى
 
.
 
طافوا بالكون
 
لإرجاء النذر الأعسر
 
( لم يضوهم ليل الصبابة
 
لم يبسطوا أرواحهم لأقدام الأسى
 
لم يذرفوا دمعاً على ميراث قتلاهم (
 
.
 
سموا الراء رايتهم
 
وسلطان الله على أرضٍ أثقلها اليتم
 
وحوافر خيل الأعراب
 
سموا الياء يماماً
 
يسترهم من صبح الوارث
 
سموا الحاء حنيناً
 
لا تغرب عنه شمس الثارات هبّوا ،
 
تبرأُ ريح الندب ، تَعوِلُ بالبُرص :
 
.
 
هِزّوا عمدَ البيت
 
يسيل لعاب الظلمة يسّاقط ليلٌ ضامر.
 
… )وأنا كالشك أبارح ثالوث الانصاف
 
أنسج ليلي من حبر الرغبة ودُثاري أنفاس المضموء
 
أصلي مرتجفاً كالملدوغ ببرد الأيام
 
.
 
أهجس بالريبة
 
أخال أيادي الواهب تقطفني من زهو نشيدي
 
ترميني في نار الترتيل :
 
من ضل سراطي المسنونَ
 
من داس النمل المشمول برحمة سيفي
 
من أكل "تفاح البرية" ثم ناداني باسمي
 
من آمن بالريح
 
سأصليه بلاداً ما شافتها عيون التيه
 
.
 
يَصْهَدُني عرق الرهبة ، أخرج من عشر المؤتلفة
 
أسفُّ مدقوق الرمضاء ، تأكل أحشائي نارٌ كالسيف الخائف
 
أشرب منقوع الريح
 
يبتل لهاثي
 
أهرب من ليلي
 
أجوب تخوم الصحراء
 
أنشد رعيان الإلفة
 
ما مَرّوا ؟
 
سراةٌ يشبهون ماء زمزم (
 
*
 
حلب 1999
© 2024 - موقع الشعر