أأعود يا أبي ؟؟؟ - فيصل محمد الحجي

أ أعودُ لا ألقاكَ في الميعاد؟
و أرى البلاد هناك غيرَ بلادي ؟

أ أعودُ تُنكِرني الديارُ .. أما دَرَتْ
أنّي أراها كالغريب البادي ؟

عبثَ الزمانُ بوجنتينا مثلما
عبثَ الظلامُ بفجرنا الوقّادِ

أ أعودُ تصفعني الفجاءةُ عندما
ألقى ببابِ الدار لونَ حِدادِ ؟

و الدمعُ ينتظرُ الغريبَ .. أما له
حقٌّ ببسمةِ فرحةٍ وَ ودادِ?

الدارُ تُشرقُ للغريبِ إذا دنا
ما بالُ فرحتِنا اكتستْ بسوادِ ؟

و الناظرونَ يرونَ كهلاً تائهاً
مثلَ اليتيم جرى بلا إرشادِ

و يصيحُ : أين أبي و أمّي ..؟ أين مَن
بذلا نفيس العُمر في إسعادي ؟

أنا ما سمعتُ وَ لا رأيتُ سواهما
قمراً وشمساً أشرقا بفؤادي

و لذاكَ أظلمت الأماني عندما
وردا غروبَ العُمر كالأجدادِ

غابا .. و كنتُ عن المنازل غائباً
و أكابدُ الآلامَ في الإبعادِ

فجَرَعتُ حزني مرتين : لغربتي
ولغيبتي عن مأتم ٍ و حِدادِ

***
كم غصتُ في بحر الأماني حالماً

بلقاء أحبابي على الميعادِ
أرنو إلى الآفاق أرقبُ عودة

و أعيشُ لِلآمال بالمرصادِ
و أتوقُ لليوم السعيدِ .. لعلني

ألقاهما ليجدِّدا ميلادي
و أعُبُّ مِن بحر المسرّةِ ظامئاً

و كأنَّ عيدي مجمعُ الأعيادِ
هيهاتَ ! ما كلُّ المُنى تسخو لنا

إلاّ إذا شاءَ الكريمُ الهادي !
***

أ أعودُ ؟ أرّقني السؤالُ و لا أرى
سِمَةَ الجوابِ عن السؤال الصادي

أ أعودُ والأطيارُ ما عادتْ معي
كي أُبتلى بعناكبٍ و جَرادِ ؟

و بقيتُ في تِيهِِ الأمانيْ حائراً
متردِّداً في زحمةِ الأضدادِ

أ أعودُ أم لا ؟ صارمان تصاولا
و تجالدا .. و أنا رهينُ سُهادي

ما بين شوقٍ عارم ٍ متلهفٍ
و حواجز الأطماع و الأحقادِ

يا غُربة ً طالتْ فصارتْ دَيْدَناً
لأدورَ بين حواضر ٍ و بوادٍ

عُمري مضى مترقباً متفائلاً
متحمِّساً متشبِّثاً ببلادي

ما النفعُ ؟ والأيامُ تطوي عمرَنا
و تفيضُ بالأولادِ و الأحفاد ِ؟

يا حسرتا ! لا يعرفون بلادَهم
و جدودَهم و بقية الأندادِ

في كهفِ غربتِنا نمتْ أجيالُنا
و غدتْ قوافلنا بغير جيادِ

أسلمتُ وجهي للذي خلق المُنى
و محقق الآمال والإسعادِ

أرضى بما يرضى .. لأني موقنٌ:
في ذاك كلُّ سعادتي و مُرادي

الحمدُ دأبي ما حييتُ .. و مُتعتي
صبرٌ ... و تسبيحي له إنشادي

مناسبة القصيدة

مضى الآن على فراق الأهل و الوطن سبعة و عشرون عاماً .. فقط ......! ولم تظهر للفراق نهاية .. و كأننا نسير على طريق أهل الكهف الذين صاروا غرباء حين عادوا إلى وطنهم ... كنتُ أحرصُ على الاتصال هاتفياً بوالدي - رحمه الله - و في كلِّ اتصال كان يقولُ لي : أخشى - يا فيصل - أن أذهب و لا أراك .... ! وكانت هذه العبارة تحزّ في نفسي و تغوصُ في أعماق قلبي كالسكّين ، ومع ذلك كنتُ أُمَنَّي النفس وأدعو الله تعالى أن يُطيلَ عمره وعمر الوالدة ، و أن يُفرِّج كربَتنا و أن يجمع شملنا في الدنيا قبل الآخرة .. حتى جاءت المفاجأة الصاعقة حين اختاره الله إلى جواره ..! ثمّ تبعته الوالدة رحمها الله ... فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله ...! أجلْ ..! لا حول و لا قوّة إلاّ بالله ..! فقلتُ مخاطباً والدي:
© 2024 - موقع الشعر