أجل ... أنا شايب - فيصل محمد الحجي

لم تدنُ مِن داري و غيرُك دان
و تُشيح عن بابي وعن (إيواني)

و تصيحُ بي : يا شايبٌ ! وكأنما
شيبي يُبادرُني .. و شيبُك وانٍ

ما العيبُ في الشُّيّابِ ؟ ماذا أجرموا ؟
إن كنتُ أولهم فأنتَ الثاني

يا مَنْ يُعيِّرُني لأني شايبٌ
و أنا أراهُ كما الحبيبُ يراني

و تلوذ في حِصن (الإدارةِ) آمناً
مَن ذا يعيشُ مِن القضا بأمان ؟

إن كنتَ تُنذِرُ بالفناءِ لشايبٍ
مَن مِنْ بني الإنسان ليس بفانٍ؟

وَمَن الذي يُنجي إذا هرمَ الفتى
والشيبُ لا يخشى ذوي السلطانِ؟

ينقضُّ يخترقُ الحواجزَ هاجماً
لِيُزيلَ عنه أجملَ الألوانِ

و يَغوصُ في فَوْدَيْهِ يحصدُ ما بدا
مِن أسودٍ داج ٍ و أحمرَ قانٍ

فإذا سوادُ الشعر ِ أبيضُ ناصِعٌ
و كأنه كفنٌ من الأكفانِ

هي سُنة اللهِ الذي خلق الورى
مَنْ ذا يُقاومُ سُنة الرحمن ؟

هي دَوْرَة الأجيال تُوقِفُ سابقاً
لِيفوزَ جيلٌ قادمٌ برهانِ

لِنظلَّ رَهْنَ تطوُّر ٍ و تغيُّر ٍ
بتغيُّر الأحوال ِ و الأزمانِ

فطفولة و فتوَّة و رُجولة
و كهولة هي قِمّة الإنسان

و يشيخ – إن عاش الفتى – لِيُصيبَه
وَهنٌ على وَهْن ٍ بلا اطمئنانِ

لا خُلدَ في الدنيا .. و تلك رسالة
ذو العقل يفهمها من العنوان

لكنَّ مَنْ يرضى سيسعدُ دائماً
في راحةِ التسليم والإيمانِ

قبلي ملايينُ الملايين ِ الألى
شابوا وغابوا في حمى الرحمنِ

و أنا – على دربِ الملايين ِ الألى
ساروا – أسيرُ على هدى القرآنِ

***
يحلو الشبابُ كما حَلَتْ أيّامُهُ

و يزيدُ حُسناً في عيون ِ حِسانِ
لكنْ حلاواتُ الحياةِ كثيرة ٌ

منشورة في الشِّيبِ و الشُّبّانِ
جسديّة ٌ عقليّة ٌ رُوحيّة ٌ

و خِيارُُها الباقي على الأزْمانِ
و خِيارُها ما عمَّ نفعاً في الورى

و قضى على الآلام ِ و الأحزانِ
اُنْظُرْ إلى الشيخ الوَقور ِ وقد بدا

عَلَماً يُشارُ له بكلِّ بَنانِ
كنزٌ مِنَ ( الخِبْراتِ ) يَندُرُ مثلها

عندَ الشبابِ .. و فِعْلُهم بُرهاني !
يتزاحمون على الشيوخ ِ ليكسبوا

ما عندهم بحماسةٍ و تَفان
و مَن استشارَ الشيخَ أرْدَفَ قائلاً :

نِعْمَ المُشيرُ إلى الصوابِ هداني
ويداهُ إنْ عَبَثتْ بساحةِ فَنِّهِ

لم تأتِ صنعتُها بلا إتقانِ
ويجولُ في شُعَبِ العلوم مغرِّداً

و كانّهُ في نزهة ٍ بجِنانِ
وتزيدُ فرحتُهُ بصيْدِ حقيقةٍ

ما لا يراهُ صائدُ الغزلانِ
ويخوضُ مضمارَ التنافُس ِ واثقاً

أنَ النجاحَ لِهمَةٍ و جَنانِ
كلُّ الحوافز قاصِرٌ .. ما لم يكُنْ

مِنْ نفسهِ له حافِزٌ ربّاني
مِنْ شايبٍ صاح ٍ نُرَجِّي فزعة ً

في أزْمَةٍ .. أمْ مِنْ فتىٍ وَسْنانِ ؟
وتراهُ إذ يُعطي سعيداً راضياً

في خير ِ تفصيل ٍ وحُسن ِ بَيانِ
يحنو على الفِتيان ِ في فِسْطاطِهِ

و يُحيطهم بعنايةٍ و حَنانِ
يرنو إلى أحفادِهِ مُتفائِلاً

فَهُمُ بُذورُ الخير في البُستانِ
يَرنو إلى الماضي المُبارَكِ راضياً

مِمّا يرى فيهِ مِنَ الإحسانِ
و تراهُ مُبْتهلاً يُناجي رَبّهُ

حتى يجودَ عليهِ بالغفرانِ
لا ضَيْرَ إنْ ذهبَ الشبابُ وحُسْنهُ

أو زالت الدنيا بأيِّ أوانِ
إن فازَ لمّا زحزحوهُ عن لظىً

ليعيشَ كلَّ حياتِهِ بجِنانِ
فهناك لا يخشى الشبابُ نهاية ً

بهجوم ِ شيبٍ و التماس ِ دِهانِ
ذاكَ الخلودُ ..! فبئس دنيا أدبرتْ

ما أحسنتْ للشيبِ و الشُّبّانِ
هو شايبٌ أو أنتَ أو أنا شايبٌ

سِيّان ِ ..! والباقي لدى الرحمنِ
© 2024 - موقع الشعر