يا سيــدي! - عبدالله الحامد

يا سيدي! أيها الشعب الكريم! ألا
أفضي إليك بنبض من أحاسيسي؟

دع قصة من خيال فى المنام سرت،
وخذ وقائع محسوس وملموس

عن العدالة فى أهلي وفي بلدي؛
وكيف تنمى إلى تنزيل قدوس؟

جاءوا بنا عبر قبو البرج ذات ضحى
بين السراديب من خلف الكواليس

قالوا: ادخلوا قاعة للحكم حاضرة!
صفًوا الجنود بها كفصل تدريس

وللمسدس والرشاش رعبهما
من فرقة أيقظت سود الهواجيس

وفرقة شكلها جمهور محكمة
وفى ملامحها صمت الجواسيس

مرحى قد امتلأت أرجاء محكمة
بعسكر بين مخفي ومحسوس

فالظاهرون لتخويف القضاة
ومن تنكروا فلتزييف المقاييس

هل تلك محكمة تدعى علانية
أم ذاك مسرح تزييف وتدليس؟

أتلك محكمة وهم لها حرس
أم المحاكم فى أحضان بوليس؟

أمجلس الحكم يخشى الشمس طالعة
يا ويل قومي من وخز الدبابيس؟

فأين أهل وأصحاب قد انتظروا
من كل ذي هيئة فى الاس مأنوس؟

تقاطروا منذ فجر مثل سرب قطا
أو درس جامعة، أو حفل عريس

أين الكرائم أحضرن الصغار
إلى درس من العزم لم يوهب لبلقيس؟

أين المحامون أطناب الحقوق
وفى نبراسهم كشف قطان الحناديس؟

أين الصحافة تجري خلف مختبئ
مثل الشموس تنقي الكهف من سوس

أبا الوليد(1)! أندعوها علانية؟
هل للعدالة عيش فى الكواليس؟

دون الجماهير هل تدعى علانية؟
دون الصحافة ما عدل بملموس

حامي الضعاف هو القاضي النزيه
فمن يحمي القضاة من الأهواء والروس؟

هم الجماهير إن عزوا وإن كثروا
هم للقضاة دروع كالمتاريس

لن يحرس العدل إلا الناس إن حضروا
وليس من دونهم عدل بمحروس

لولا المصدات حول الحقل حامية
لما تباهى بمزروع ومغروس

من للقضاة إذا السلطان طوعهم؟
من دون جمهورهم هم كالمحابيس!

يا سيدي! أيها القاضي! حنانك
إن وجدت لفظي غريبا غير مأنوس

حاولت كم مرة تليين صارخه
ألين الصعب من جهر بمهموس

لكن ما شاهدت عيناي مجزرة للعدل
كيف سأرويها بتمليس؟

وكل قاض له التكريم في عنقي
والحق أولى بتعظيم وتقديس

يا كاتب العدل إن نأمن ضمائركم
فقد خشينا عليكم كابس الروس

إذا صرخنا فهذا البرج نعرفه
وكم سحبنا إلى تلك الكواليس

عدل الشريعة كل الناس تعرفه
فخفف اللفظ لا تولع بتدريسي

إسرار محكمة برهان طأطأة
ما رأس عدل وإنصاف بمنكوس

هاتوا افتحوا علناً صكوك محكمة
تروا فظائع في زرق القراطيس

كم جرمت من دعاة القسط محتسباً
يا للشريعة من دهم المقاييس

جئنا لنكشف آفات القضاء
وفى أكفنا بلسم يشفي من البوس

أجل أتينا لكي نهدي مقالتنا
كي (يستقل القضاء) بعد تسييس

فللقضاء معايير يقاس بها عدل
وليس بأوهام الهواجيس

تحيا العدالة إن الله نورها
فهل سمعت بنور غير محسوس؟

إن الضمائر لا تحمي ولو كرمت
عن كامن من هوى فى النظم مدسوس

إن الضمائر لا تحمي ولو قويت
عن كاسر من هوى فى النظم مغروس

هدي الشرائع عن هدي الطبائع
هل ينهى، وذاك لهذا خير تكريس؟

إن الضمائر لا تغني ولو ومضت
عن سهم بوصلة عند الحناديس

إن الضمائر لا تكفى ولو نبضت
في حد مسطرة ضبط الأحاسيس

فللقضاء مقاييس يقاس بها
معروفة فى بلاد الهند والروس

والظلم فى العرب أشقانا
ودمرنا، فهل نفر إلى عدل الفرنسيس ؟

ما المتر دون علامات محددة ؟
فهل سمعت بمتر دون تقييس؟

حدد قواعد أعلن مراسمه
يغنيك محسوسها عن وهم محدوس

(كيل )و(لتر) سواء يعدلان بنا
لا خرص تمر وماء بالأحاسيس

انهض (شريحا)! لجيل السابقين نكن
دنيا وأخرى بروضات الفراديس

ودع تراث عهود الجبر تنج بنا
فالغار لم ينم فيه طيب مغروس

لا تتركوا الشعب بالإفرنج منبهرا
إن لم يجد عند شيخ غير تفليس

لن نقبل السر مهما كان ، فانقسموا
ما بين مشهد تعذيب وتدليس

بالكهف عاشت جراثيم الهوى ونمت
والعدل كالحب محتاج لتشميس

حقوق متهم فى السجن ضائعة
فأين تفتيشكم قبو الكوابيس؟

تسعون يوما بقعر الحبس لم نركم
هل العدالة نقش في الكراريس؟

فكيف يصبح قاض كهف مضطهد
وكل ذي تهمة فى القيد محبوس

ما دام قانوننا (التعزير)
فى بلدي، ولم يحدد كأسطار الكراريس

من ضربة السيف حتى ضربة بيد
يصير مطاطة فى كف بوليس

إذا القضاة وكيل للإمام؟
فمن يحميهم سطوة الجلاد والسوس

إذا سلاطيننا ، أدرى بمصلحة
فقد أدانوا إذن كل المحابيس

أليس أمتنا أدرى بمصلحة، ولية الأمر فى كل المقاييس؟
وكم سمعنا من الأحكام أغربها

من شك ينشر لنا زرق القراطيس
حرية الرأي والتعبير ضائعة

باسم الشريعة غالوا كل تنفيس
أما التجمع فى حفل فكارثة

وفتنة، يا زمان القهر والبوس
فأين مسطرة العدل حامية

حقوق متهم فى شرع قدوس؟
قالوا: اجتهاد! أجل! لكن ألا نظم!

تحمى الضمائر من وسواس إبليس؟
حقوقنا ضيعت باسم الشريعة

في صك القضاء وسرداب وبوليس
هذا يعلبنا وذاك يكبسنا

فهل سمعت بحر غير مكبوس؟
علامة العدل إنصاف القضاة ذوي

رأي بمجهور قول أو بمهموس
علامة العدل فى الأقطار واحدة

إن تلق رأياً جهيراً غير مطموس
الشرع وحي ، وكم فى رأي مجتهد

من قمع رأي بذاك الفقه مدسوس
فى الفقه فكر نضوج كم شفى وكفى

وفيه فج هزيل غير مدروس
كم اجتهاد رمي أهلي بكارثة

يؤمل الأجر في خلد الفراديس
لا تنسبوا لكتاب الله مظلمة

كالماء من تحت تبن غير محسوس
وراقبوا الله إن الله سائلكم

يوم القيامة عن قمع الأشاويس
أين الخريطة كي نمشي بلا لغم

يثور بالرجل فى بهم التضاريس؟
علام نلبس وحي الله أقضية

فى عهد قمع نمت فى الكهف كالسوس
إن كان خصمك سلطان تضع قطعا

ويطحن الراس فى سود المهاريس
من أجل هذا رفضنا سر محكمة

ليعرف الناس ماذا فى الكواليس؟
مقياس عدل قضاة فى حمايتهم

رأي السياسي من طغيان بوليس
أليس تحرير قاض من سلاسله

من قبل تحرير مظلوم ومحبوس؟
إذا القضاء لطغيان الحكومة

لم يلجم، فما حكمه إلا لتبخيس
لو للقضاء مقاييس لأنقذنا

مذ نصف قرن ، لكي يحظى بتقديس
وللقضاء مقاييس يقاس بها

والمتر ما وزنه من دون تقييس
يا سيدي! أيها القاضي! حنانك!

إن كرهت فى (صالة) نبض الأحاسيس
قد امتزجنا بجمهور يعانقنا

دمع بدمع وأشواق بتبويس
ففي اللقاء رياح الشوق ذارية

وكم تعفن حب داخل الكيس
نعانق الفأل والأطفال إذ ومضوا

محاصرين رؤى الإحباط والبوس
والفأل والحلم بشرى من ملائكة

واليأس والخوف من وسواس إبليس
فإن رأي المدعي فى قولة زللأ

مرحى! يضفها إلى سود القراطيس
نظام محكمة يرتج إن همست تلك

الجماهير تشكو حكم تدليس
يحًمل الشعب والجمهور غلطته

وينحني خاضعا أمام بوليس
هم الجماهير أصحاب الدنو إذن

أما النظام فذو طهر وتقديس
وليس تخرقه أخفاف بوليس تستدرج

الناس كي يرموا بتدنيس
قل للفقيه الذي بالصبر خدرنا !

درس الحقوق هو الأولى بتدريس
درس الحقوق به بدء وتثنية

في كل مجتمع أولى بتأسيس
ما أمة كرمت والفرد منكمش

ودوره بين إحباط وتنكيس
الفرد أس بناء الشعب إن هدرت حقوقه

هل لدار أي تقديس؟
والشرع والنظم والقانون مقصدها

صون الحقوق لفرد دون تبخيس
فإن رمين حقوق الناس فى لهب فقد

بلين بتحريف وتدليس
الدين شمس بومض العين ندركها

ما كان وقفا على تفسير قسيس
هذا القرآن إن اغتالوا عدالته

ما كان ميزانه عنا بمطموس
كل يؤوله حتى يعطله

فضيعوا الروح في شرح الكواليس
علام نلبس دين العدل مسكنة

أطغت، ودين الهدى أعز ملبوس
من رام نصرا لدين الله محتسبا

فإنما بابه صون المقاييس
الله علمنا أن الخلافة في عدل

وشورى جرت مذ عهد إدريس
لو درس الفقه شورى الحكم من قدم

لما انبهرنا بغرب أو فرنسيس
ما الفقه إن لم يكن للعدل

حاضنة فقه الصحابة،بل فقه المفاليس
نستمطر العدل من ( أمريكيا )

عجبا! ونشحذ النظم من أبراج باريس
نموت والماء فوق الظهر في قرب

كالعيس عطشىألا ضيعة العيس!
عودوا إلى دينكم من قبل فرنجة

تقدم العدل في رن النواقيس
أو تصبحون ك(عثمانية) غربت

لما أطاحت بقسطاس المقاييس؟
وكفرت نور( دستور ) فماد بها

وإن زهت بذيول كالطواويس
(شيوخ)هاعانقوا صرعى(مشائخ)

ها ما توأم دون تفريط بمرموس
إن الفتاوى إذا لم تشف أمتنا

فهل تساوي مدادا فى القراطيس؟
ثم الصلاة على قاض بمسجده

لم يقض سراُ بدهليز الكوابيس
© 2024 - موقع الشعر