في رثاء المرحوم محمود درويش - جريس دبيات

زمنٌ يَمَرُّ وذكريات سودُ فإلامَ
يُخلِف يومنا الموعودُ؟

ستين عاماً ليس يُزهر لوزنا
الحُلْمُ يَعبَثُ والعِيانُ يَكيدُ

يومان عيش الآخَرين وعيشنا
يومٌ علينا لا يزول مديدُ

كلُّ الشعوب تنال يومًا حقّها
أتُرى سيرجع حقّنا المفقودُ؟

كلّ الديار لأهلها،ولأهلنا
في دارهم لا يستقرّ وجودُ

ضجّ الشتات بنا وطال فراقنا
حارت خُطانا والخلاص بعيد

قَدَرُ المنافي ان تكون نصيبنا
والشامتون على الدروب حُشودُ

تجد السلاحف مأمنًا لصغارها
وعلى الحواجز كم يموت وليد!

سِيَّان نحن بيوتُنا اجسادُنا
تأوي ولكنْ سيُّها مطرود

نفَق يطول ولا منارةَ بعده
البَيْن يُزمِن والحصانُ وحيدُ

***
قضتِ القضيّة ان تكونَ لسانها

فَنَبا بسُقمك ذلك المجهود
ضيَّعتَ عمرك في المنافي حاملاً

قلباً يذوب من النوى ويَميد
منفىً الى منفىً وكلُّ مسيرةٍ لا

يستقِلّ بها الفتى المِرِّيد
مُضناك قلبُكَ لم تسايرْ ضعفه

حتّى توقَّف خَفْقُهُ المكدودُ
آليْتَ تَحدو الرَّكْبَ يومَ رجوعه

واليومَ تُبكي الرّكب حيث تعود
ربَّاهُ لا عَتَبٌ عليك وانّما يشكو

اليتيم ويندُبُ المكبودُ
اثنان نحن من الورى في عيشنا

بين المواجع شاهدٌ وشهيدُ
***

يا فارس الحرف الشَّرود تسوقه طَوْعَ
اليَراع كما تشاءُ يَرود

كالنَّرد تَحكُمه وتُحكِم صَوْغَه فإذا الكلامُ اساور وعقود
يا لاعب الوَرَق الثلاثِ بحرفه تُخفي وتَكشف سِرَّها وتُجيدُ

ما بين وَحْيك والحروف مَشورة
هِمنا بصورتها وغار حسود

نارٌ حروفُك ان دنوتَ حرقتنا
وإذا نأيتَ فنورها مشهود

سحرٌ حروفُك سارحٌ بعقولنا
نُبدي بعشق فنونه ونُعيد

تأبى الحروف على لسانك زلَّة
أيًّا جمعتَ فجمعها محمود

الحرف حِرفة مَن حصيلة عمره
بين المراجع حكمة وقصيد

والابجدية لا تبوح بسرّها
إلا لمن ترقَى به وتسود

والضاد تعرف كيف تُكرم شيخها
ملأ الدنى والعالَمون شُهود

***
يا زارع الكلمات تَنبُت ايكةً

من نسج كفِّك ظلُّها الممدود
فصَّلته ظِلاً أنيقاً مثلَها ما

ليس يَبعُد عن مدًى ويَحيد
يخضرُّ حين يزوره عيدٌ لنا

ويصير اصفرَ إن جفانا العيدُ
من نُسغ حِسِّكَ تستمدُّ عُروقُها

وبقدر حبِّك ظلُّها مقصودُ
رَيَّا يداعبها الحنين فتنثني

سَكْرى وتملكها العيون السُّودُ
حَرَّى إذا المحتلُّ جاوز حدَّه

هل كان يوماً للطغاة حدود؟
الأيك يكبَر والظلال وريفةٌ

والنسغُ يَدْفُقُ والخلود اكيد
***

يا كاسيَ المعنى البديع
إزارَه والثوب يَسبي العين وهو جديد

نقِّ الكلام على مزاجك جُملة
يرنو اليها الصَّفُّ والتنضيدُ

وتصير بين العاشقين رسولَهم
ويطير مشدوداً اليها العودُ

هي جملةٌ والكونُ حاصلُ جملةٍ
فالقول بدءٌ والكلام وجودُ

والرمز منذ البدء كان مقدَّسًا
ومع الرموز عبادة ونشيد

يأبى بيانُك ان يكون تَعرِّيًّا
تَخفَى فتلعب بالخيال قدود

للصيد في البحر العميق مخاطِرٌ
لا تخبرِ الصيّاد كيف يصيد

***
يا صاحب الشعر الجميل فتنتنا ،

نحن الرواةُ وقولنا ترديد
وطن الكلام جعلته وطناً لنا

لك ما تريد وما تريد نُريد
نبني البيوت من الحروف تَعزِّيًّا

والظلم يسرقُ ارضنا ويَشيدُ
في خبز شعرك ما يعوِّض جوعنا

وبماء شعرك يصدُقُ التعميد
تحكي الرواية انّ قصة حبّنا

تبقى وانت الشاعر المعدود
تروي الحكاية انّنا في عشقنا

في كلِّ بيت قارئٌ ومُريد
بالشعر تجمعنا وتجمع رأينا

ورُؤاك تَهدينا وانت تقود
ستزول عنك وعن ترابك نكبةٌ

واللوز يُزهر والحياة تجودُ
سقتِ الهواطلُ في ثراك

مناضلاً وجزاك عنَّا الرحمةَ المعبود
باقٍ على الأيّام ذكرُك بيننا

ويظلّ يكبَر في العُلى ويزيد
كفركنا – آب 2008

© 2024 - موقع الشعر