( قمرٌ ) على وجعِ المدينةِ - حسن إبراهيم الحسن

قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ
 
و الريحُ وشَّحها النحيبُ
 
و أراكَ تمرُقُ دونَ وجهٍ
 
لا تُبادِلكَ المرايا لفتَةً من عُريها
 
هل خانتِ المرآةُ وجهكَ يا غريبُ ؟
 
أم خنتَ ذاكرةَ المرايا ؟
 
لا صدىً عندَ انكساركَ حين تحدو
 
لا صدىً ...
 
بُحَّ النشيدُ الملحميُّ و لا مجيبُ
 
لكأنَّنا اعتدنا المنافي
 
بعدما نأتِ الديارُ بساكنيها ،
 
من على وجعي أُطلُّ على الحِمى
 
لا بعدهم سكناً تطيبُ
 
و الآنَ تعبرني الظعائِنُ
 
لا الربابُ تهزُّ أدمُعيَ العجافَ ،
 
ولا القصائِدُ ،
 
لا ... و لا الراياتُ تلفحُها الرياحُ ،
 
كأنَّ أندلساً تغيبُ
 
لا القلبُ تفزعهُ الظلالُ الراعِشاتُ على الستائِرِ ،
 
فلَّةٌ بالبابِ ما انتبهت لخطوي
 
كلُّ شيءٍ صارَ ينكرني تماماً ها هنا ،
 
حتَّى الصدى قد باتَ ينهرني ، أبي ،
 
" لا أنتَ أنتَ ، و لا الديارُ ... "
 
الآنَ تُنكِرُني النوافِذُ
 
حينَ أعبرُ عتمَها صِفْرَ الملامحِ ،
 
ثمَّ أشهقُ مثلَ ماءٍ هزَّهُ حجرٌ ؛
 
كأنَّ دوائرَ الغرباءِ تنأى
 
ثمَّ تنأى كالصدى عنّي ،
 
أغنّي
 
حينَ أعثرُ مثلَ عكَّازٍ ترنَّحَ في يديكْ
 
أسفي عليكْ
 
أسفي عليكَ إذا خذلتكَ يا أبي /
 
إنْ خانتِ العيرُ انتظاركَ نِصفَ عمرٍ
 
لا قميصي عادَ يحملهُ المبشِّرُ ،
 
لا ( منامٌ ) زفَّني بشرى إليكْ
 
أسفي عليكْ
 
الليلُ يعبرني وحيداً
 
عندَ أطرافِ النهارِ ، على شفا امرأةٍ
 
أُنيخُ مدامعي لتخونها !
 
و الدمعُ يخذلني عليكْ
 
أسفي عليكْ
 
قمرٌ على وجعِ المدينةِ ،
 
و الدروبُ متاهةٌ
 
لا بابَ يطرقهُ المسافِرُ ها هنا ،
 
في وحشةِ الطرقاتِ تعلكني وجوهُ العابرينَ
 
و لا نوافِذَ يا أبي للطفلِ تشرعها يداكَ
 
بكوبِ ماءٍ
 
لا نوافِذَ يا أبي ...
 
قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ ،
 
و خُطاكمُ
 
حبقٌ على الطرقاتِ تفركُهُ النسائِمُ ،
 
لم تزلْ كلُّ الجهاتِ عليكَ تشرعني مُدىً
 
لكأنَّني ريحٌ على جمرِ المسافةِ بيننا
 
أو حِقدُ عوسجةٍ تُخاصِرُ ساعديكْ
 
أسفي عليكْ
 
مازالَ يرقبكَ الزوالُ ، على التخومِ
 
تُقَلِّبُ الصورَ التي حفظت وجوهَ الغائبينَ
 
و ما تَساقطَ من فُتاتِ الذكرياتِ ،
 
كأنَّهُ حلمٌ ...
 
كأنّي ما سَمِعتُ صراخكَ المحمومَ :
 
( يا بنَ الكلبِ ) اِرجعْ !!
 
لم يَعُدْ في العمرِ متسعٌ إليكْ
 
أسفي عليكْ
 
قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ
 
و الدربُ أحجيةُ المسافِرِ، و الصدى كَذِبُ
 
العراءِ و خطوتي ضلَّتْ هناكَ ، فيا أبي :
 
لا بدَّ من طرقٍ تعودُ ليرجعَ المنفيُّ محمولاً
 
على الأكتافِ تنطرهُ الدموعُ
 
فَمَنْ سِواكَ يضمُّ قامتكَ النحيلةَ
 
حينَ يفجعُكَ الجوادُ بغيرِ سرجٍ عائداً ؟!
 
أَبَتَاهُ منْ ؟
 
أَبَتَاهُ منْ ؟
 
أَوَكُلَّما مرَّ الحُداةُ هجرتَ حلمكَ حافياً
 
تقفو الصدى ؟
 
: إنّي أكادُ أشمُّ ريحكَ يا بنيَّ على المدى
 
- كمْ مرَّةً سأخونُ حدسكَ يا أبي ؟
 
و أقولها ملءَ انكسارِكَ :
 
لم يَعُد من كانَ تنطرهُ الشِفاهُ بقُبلةٍ
 
كَذَبَتْ عليكَ الريحُ ..
 
قدْ كَذَبَتْ عليكْ
 
أسفي عليكْ
 
قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ
 
و القلبُ لفَّعَهُ السوادُ ، ...
 
حمامةٌ في وحشةِ الأضلاعِ قد هَدَلت عليكْ
 
أسفي عليكْ
 
* * * *
© 2024 - موقع الشعر