وفي الصباح غربت صباح - سعد عطية الغامدي

ذات صباح .. ذهبت صباح ..
لم تسلك الطريق ذاته المعتاد كل يوم
حيث الكتاب .. والمعلمات ..
والصاحبات يلتقين زمراً ..
والجد والمزاح ..
لكنها مضت على طريق
يُحمل الإنسان فيه ثم لا يعود
إلى مكان شاخص هناك طرف المدينة
هو المكان نفسه .. أنّى اتجهت
هي المسمّى نفسه .. أنّى سألت ..
لا ظل .. لا أطلال .. لا بناء
إلا بقايا الصمت .. والسكون .. والسكينة
إلا وجوه ترسم الأسى ..
شاحبة باهتة حزينة ..
إلا الغبار يلعق الثرى وطينة باردة قد أسندت لطينه ..
وكلما رحلت عن مدينةٍ يبقى المكان وحده هناك شاخصاً
وتختفي المدينه ..
هناك تنتهي فوارق الحياة كلها ..
وتنتهي الألقاب والأسماء كلها ..
وتنتهي الأحقاد .. والصداقات جميعها
هناك تسقط الحدود في معالم الزمان والمكان
وربما تجمّع الأحفاد والجدود
وربما تجاور اللدود واللدود
 
* * *
 
عند الصباح ..
والليل يسحب الرداء في سكون
والضوء ينزع الكرى عن الجفون
ويبسط المدى فتسرح العيون
وتستفيق بالنسائم الغصون
والطل يغسل الربى
وينثر الرذاذ في البطاح ..
هناك غادرت صباح ..
غيمة شفيفه
ونجمة أليفة ونسمة باردة خفيفه
كأنها في ذلك الصباح موكب العبير
يبث في الحياة أملاً
ويُلبس الغصون حللاً
ويُنعش التلال والسفوح
وينثر العطور في شقائق الزهور
وفي براعم الليمون والتفاح ..
وماج بالحياة حولها الصباح
وأخذت تراقب الحياة إذ تعود للحياة
وطاف في خيالها خيال
بأنها لن تلبس المريول .. ذلك الصباح والعباءة السوداء
وطاف في خيالها بأنها توشحت ملاءة ناصعة بيضاء
وحملت حتى تبيت وحدها هناك خارج المدينه ..
وطاف في خيالها أن صباحها هذا لعله الأخير
وأن رحلة المسير بدأت للعالم الأخير ..
وفي الخيال هاتف يقول ..
قد أزف المصير ..
توضأت :
ورفعت نحو السماء راحتين ..
وركعت رغم العناء ركعتين
وخط كفها النحيل جملتين
رسالة الوداع للمعلمه :
هما الرحيل .. باهتاً
هما الفراق .. خافتاً
هما الحنين .. صامتاً
من غير صخب ولا صياح ..
 
* * *
 
صباح
كانت الصباح حافلاً
بالنور بالندى بالبلبل الصدّاح ..
وكانت الحياة كلها من الجناح للجناح
وكانت اللقاء والوداع ..
والرحيل والمقيل ..
وأملاً في عودة من بعد سفر طويل
مهما تعالت الأمواج .. لججاً وجنت الرياح ..
وخيّم الذهول فوق ناظري ملاّح ..
كانت حياتها المريول والكتاب والدواء والجراح ..
وكان وقتها بين عنابر التنويم والتعليم
وبين بيتها لو سلمت لساعة من الضنى المقيم ..
وكان حبها .. للأهل
واشتياقها لصحبة الزميلات .. وللمعلمات ..
لكنها تعلقت من بينهن شغفاً بفاطمة
تلك التي تطل من خلالها ابتسامة الربيع
وفورة الصباح
وارتعاشة ارتياح ..
تفضي إليها كلما تدافعت إلى سريرها الأشباح
تبثها شيئاً من الأسى ..
تخففاً ..
ومن مواجع .. ومن هموم
تحكي عن العواصف التي تمور
حين يخفت الرجا .. وتحلك الغيوم ..
تحكي عن العناء حاضراً ..
من المساء باكراً ..
إلى الصباح باكراً ..
في دمعة ومبضع ودم
وفي وجوه أينما تلفتت يشوبها وجوم ..
تحكي عن اشتياقها في أن تمر ليلة واحدة
من غير غصة من غصص العدم
من غير سهر ينطوى على مفاوز الألم ..
تحكي لها عن عالم تراه قائماً هناك ..
عن موكب هناك قادماً ..
كأنه بعيد .. كأنه قريب
يفيض بالحنان بالرجاء .. بالحلم ..
يفيض بالنعيم
تحكي .. لها .. ويغلب الشحوب ..
وفجأة .. تذوب ..
ويسقط القرطاس .. والحروف .. والقلم ..
وتختفي صباح ..

مناسبة القصيدة

كانت متفوقة .. كانت الأولى دائماً .. كانت ذات خلق رفيع .. وذات قبول واسع محبب بين المعلمات والزميلات .. كان السرطان يفتك بها وهي تقاومه .. بالإيمان .. بالرضا .. بابتسامة الطمأنينة والقبول .. بقيت تقاوم وبقي يفتك حتى نالت الثانوية بامتياز ومضت إلى الجامعة وهناك مع البداية .. كانت النهاية ..
© 2024 - موقع الشعر