وتنتحر النقوش .. أحياناً - سعد الحميدين

وتعثرت خطواتُ رمش العين في قلب السحاب
 
وتشكّ في طرقاتها حفراً من الآهات
 
يتبعها زفير موجع الأضلاع/ يرْكز فوق عرجون قديم/
 
طاب المكان/ واللا مكان تمددت أطرافه
 
وتشابكت أوصاله.. تجتر خلف لعاب فكّيها
 
مكاييل الزمان على الزمان, وفي الزمان
 
توحدت أصوات أصهار السنين.
 
ما عاد بالقادر يمشي على الساتر
 
أو يرتجي الآخر أن يرتدي زيَّهْ
 
المشتكون من الأنا/خفوا يخضون الأماني
 
الرائبات, لتفرز الزبد المصفى/لذة للشاربين/
 
والباركون على ضفاف شوارع النزوات تلتهمُ
 
الرياح لقاحهامن خلفهم تتورم الأنات
 
بالأخرى التي شاخت مفاصلها.. كما ابيضت
 
شعيرات المثاني والمرابع في كؤوس البائسين.
 
تاهتْ أمانيهم من خلف حاديهم
 
وليس من فيهم يقوى على العصيان
 
واللابسون ثياب مَن قد فُصّلت تلك الثياب لهم
 
بدون إشارة, أو رغبة يتربصون, ليملأوا الحجرات,
 
والأحواش, بالبهم المسخرة المجيبة للحداء.. مطأطئي
 
الهامات, تعلك, ثم تلفظ في زفير من فتات الصمت
 
آلاف المطاعن.. والطعين.
 
قد كان من يجري من بعدهم يدري
 
بالدرب من فجر لكنه يخفيهْ
 
مسكينة.. حدباء, أخنى فوق هامتها ثفال
 
تجارب الأضداد في الساحات, يمرغهم سديم
 
الوجد.. تحت رحى الهتاف.. البارد المسموم
 
من دبق الطريق, البائس الوجهات في الظلمات يجحر, ثم يطوي
 
قشرة الإخفاء فوق كل علامة كي لا يبين,
 
حامت حواليها أوهام ماضيها
 
مازال يؤذيها بالقيل والأقوال
 
هبت تجوس الأفق, ترقب من وراء نقابها
 
أرتال من هبوا يبارون السهوب/وينشقون
 
.. ويسعلون.. ويعطسون.. ونخالة
 
تستل في آنافهم/دود تمرغ في الطحين.
 
تهوي عمائمهم صرعى مساوئهم
 
حبلى مفاصلهم بالزيف والتدليسْ
 
النور يخبو كلما اقتربت عيون البوم/تحجل ثم تحجل/
 
في هروب مدبر يبدي قفاها قد توشَّى بالنقوش,
 
وبالحروف الصُّفر, تحفظ.. ثم تلفظ.. ثم تقرأ
 
عندها يبقى ويفغر فاه.. يرفع كفه اليمنى
 
ويتبعها الشمال إشارة للسالكين.
 
يا أيها الحادي قدّامك الوادي
 
هل تسمع الشادي يوَلِّد الألحانْ
 
الوجد يرفل في جلابيب السعادة/ يا لها. دانت له.. بركتْ.. تلامس
 
جذره, وتذوب في أعماقه.
 
تمتص ما قد كان مدَّخرا.. كما نملٌ تقاطر واستدار على نثار/
 
من سقط أمتعة الرعاة الهائمين.
 
حبٌّ على الطرقات متعدد الحبات
 
قد بُثَّ في الساحات كي يشبع الغرثانْ
 
عجبًا.. تضم بحضنها نتفاً من الأمشاج تجمعها
 
وتحسب في تساو كل شاردة, وواردة..
 
تمد ذراعها في رعشة المبهور في نكد, ومن
 
شبح يشد وثاقه في عقدة ثملى بأظلاف الهجين
 
قد مدَّت الأعناق (والساق فوق الساق)
 
وتوفر الترياق من دونما: منَّه
 
العين ترخي هدبها خجلا, وينفرج الفم المحمرُّ
 
عن لفظ تهتَّكَ.. باحثا عن مقود.., أو ساعد
 
يقوى على إمساكه كي يطلق الكلمات
 
والكلمات تمنع بعضها من أن يجاهر أو يبين
 
تتلفت الأنظار بحثًا عن الأقطار
 
والراعي, والبحّار كلٌّ يرى القطعان
 
همم تجاوزت المناخات الصعاب, فعانقت
 
أعتابهم/ دكَّتْ, وتدرس موطن
 
الكلمات/ تعرك تحت كعب حذائها المأفون
 
في صلف تفجر من قلوب لا تلين
 
يا سدرة طالت ونسمة طابت
 
حنت, وما ارتابت ميادة الأغصانْ
 
تتلاحق الأنفاس/ والهفي على الأنفاس
 
في جريانها خببا/ تحسُّ بوقعها الظلمات
 
في ليل بهيم تومض النجمات خلف تلاله,
 
وتحدق النظرات صوب نصاله: فيعود يلهث
 
نفسه متلهفا..
 
عجبا, أنأكل في حشاشة بعضنا مستسهلين.
 
نمشي وفي العينين دمع على الخدين
 
والقلب في اللحدين يتنفس الأحزان
 
يأجوج.. يسري/ يعجز الحاسوب أن يحصي
 
فيعرج يتكي/ وعصاه في يمناه: يخطو خطوة,
 
وبنصف أخرى يرعوي, ويخور واليأجوج
 
يركض صوب ما يبغي, ويقبض, ثم يفتك بالمئين.
 
الأرض قد ملّت والريح قد شدَّت
 
والحومة اصفرَّت والناس في غفله
 
يا ريح قال أتشعرين بما على أكتاف
 
ماض/ سالف/ تتحدث الجدَّات
 
أوصافه..
 
ألوانه/ أشكاله/ في كل منعطف وحين!!
 
بالله قولي.. قولي, ولا تتحرجين.
 
يتحدث الركبان عن شيء كالشيطان
 
يشطر الانسان لا خوف لا رحمة
 
عين مع الأخرى/ تلاقحتا فأنجبتا/.
 
فتربعت كل المسافات. أصبحت بقعا من
 
القصدير/ يطويها الزمان/ يلف داخلها,
 
وفي أمعائها كل العجائب, والخرائب
 
دون أن تبتلَّ, أو تهوي على سفح مكين.
© 2024 - موقع الشعر