وما خِـلتُ المعانيَ تسلبُ - مصطفى بن عبدالرحمن الشليح

قالَ : كنتُ دخلتُ بحرًا وما هو بحرٌ.
 
كانَ الزمان فجرًا. كانَ الحيُّ نثرًا. كانَ الدخان شعرًا.
 
كانَ الرجفان أمرًا.
 
كنتُ أوجزتُ سِفرًا، وأجزتُ سَفرًا، واجتزتُ قفرًا :
 
إذا ما تراخى منكبٌ قامَ منكبُ أم الراسياتُ الكاسياتُ
 
أوانسٌ وقدْ ماسَ ريّانٌ وهامسَ موكبُ
 
أم الآسياتُ الناسياتُ عرائسٌ هوادجها
 
مِنْ حسْنها تتوثبُ
 
أم الماسياتُ الجاسياتُ مقابسٌ
 
دماليجها النورُ النديُّ المُحجَّبُ ؟
 
على وتر
 
أدنى من القوس مَوْهنًا
 
تسلل خيط منكَ والليلُ يكتبُ.
 
وماذا يقولُ الليلُ ؟ يسكبُ كاتبٌ على ورق الرؤيا
 
مداه ويرقبُ.
 
وأرتقِبُ السقيا ولستُ بشاربٍ،
 
أيشربُ صادٍ صادرٌ يتأوَّبُ، ولا كأسَ ؟
 
للبيد الغريبةِ كأسُها، ولي غربَة المعْنى المكابر.
 
أشرَبُ صَدى كلماتي.
 
أنقع الغلة التي تُسامرني منْ حيْثما هبَّ غيهبُ
 
وأقطع هذا الليلَ وحْدي
 
وأسْحبُ البراري وراءَ الليل حينَ أسْحبُ
 
وأفزع، مَبْهورًا، إلى حلل الحِمى لأكسو فراغ القول.
 
مَنْ كانَ يعتبُ ؟
 
ومَنْ يعذبُ العريُ البهيُّ مُلوِّحًا بلوحِه والأريُ المُلوِّح يعذبُ ؟
 
ومنْ قيسُه
 
كانَ القليبَ لغاربٍ كأنَّ قِسيًّا ترتوي حينَ تنشبُ
 
حكايتها بينَ القبائل سُمَّرًا،
 
وللنارألهوبٌ،
 
وللدَّارعنكبُ ؟ ومَنْ صاحبٌ لي والجدارُ بدا وما بدا ؟
 
فهلْ أراه، الآنَ،
 
أيانَ أصحبُ العمائمَ تاريخًا وأصعد بابه دخولا إلى التاريخ ؟
 
مَنْ كانَ يرقبُ ؟
 
وهلْ يتملىَّ جانبٌ منه صَعدتي
 
أنا الساكبُ المسكوبُ لا يتصوَّبُ،
 
وليسَ يخبُّ السيرَ طيَّ مسافةٍ هيَ
 
الكاتبُ المكتوبُ تنأى وتقربُ،
 
وتذهبُ أنى شاءَ هدهدها ..
 
الذي همى نبأ يأتي بأمر ويذهبُ ..
 
تهذبُ أوراقَ المسَاء نداوة
 
إذا المندلُ المشتاق يرسو طلاوة منَ الغيبِ
 
يحبو سطوُه المُتطيبُ
 
ويصْبو، سؤالاتٍ، إلى الغيم وجهة أنادي بها:
 
يا مُغربا ليسَ يُعربُ
 
ويا جبلا مِنيِّ الكهوفُ
 
ومنكَ ما خلعتُ به النعْلين أيانَ أغربُ
 
وقدْ أجهشَ الوادي إذا النورُ آية وأجهشتُ ؟
 
ماذا قلتُ ؟ عنقاءُ مُغربُ ؟
 
وما قلتُ إلا خشعة إثرَ خشعةٍ ولا لغة لي مثلما كنتُ أحْسبُ
 
حَسبتُ الحروفَ الدانياتِ قطوفها حروفًا
 
وما خلتُ المعانيَ تسلبُ
 
وهْيَ منيَ قلّبُ، تناهتْ حتوفا ما عرفتُ مقادتي بها
 
وأنا قيدَ المتاهةِ أطربُ.
 
ولي ماءُ البداهةِ مطلبُ.
 
أغالبُ بردًا فالخطى مشتلُ الجذى
 
بمُلتهبٍ يحْدو الخطى منه أغلبُ. له واحة،
 
والبيد راحاتُ مَوقدٍ تحفُّ الرسومَ الشاخصاتِ،
 
وتنهبُ مُعلقة خرقاءَ بعضَ هذائها، وتذهبُ،
 
والبابُ الرَّئية تخطبُ. أنا ما خطبتُ الودَّ يا طللَ الحِمى،
 
وما جئتُ إلا طائفًا أتقربُ، وكنتُ دخلتُ البحرَ فجرًا وليلتي ..
 
ولا بحرَ إلا مُهجة تتوثبُ.
 
أهبْتُ بها أنْ لمْلمي، منْ تبعثري، خطايَ التي كانتْ خطايَ.
 
سأركبُ، إلى لغتي،
 
مهرًا أجاذبُه المَدى رُنوًّا إلى اللا شيْئ ظمآنَ يجذبُ ..
 
وأركبه وَسْنانَ ينتهبُ الرؤى
 
إلى دافق ريَّانَ بالشوق يصْخبُ ..
 
والدن يعجبُ. وأعجبُ منِّي،
 
والمسيلُ قصيدة مُؤانسة، كيفَ القصيدة تعتبُ. أنا ماعتبتُ.
 
الليلُ كانَ عاتبًا، وكانَ يُورِّي ما أقولُ ويَحْطِبُ،
 
وكنتُ أنا ألغو بقافيةٍ غوتْ بإثفيةٍ، والحرفُ أمرًا يُقلِبُ.
 
وكانَ رماد الفجْر
 
سارية هوتْ منَ الحلك المأسُور نقعًا
 
يُرتبُ نشيدَ البراري للبراري.
 
أنا الذي أرتبني سجعًا ليمرعَ مُجدِبُ،
 
ويطوي كلامَ البحر والخرقة التي تطارحه المعْنى
 
فلا كانَ مُعربُ ..
 
ولا كانَ، منذورًا لأبلجَ مُغربٍ، كتابُ الليالي ..
 
والمهامه كوكبُ، ولا قالَ لي البحرُ المسافرُ خلسة حكايته ..
 
عنْ شاعر يتأهَّبُ ليعْبرَ ما كانَ المرايا
 
وينهب القوافي ليشتارَ العراقَ قوافيًا
 
وقدْ عبثَ المهوَى بما يتألبُ
 
وللروم بحرٌ والعروبة شطه
 
وقدْ نشطتْ حِلفًا وعربدَ موكبُ
 
وللروم أوفاقٌ بغطرسةٍ جرتْ بعتمتِها
 
إمّا القاذفاتُ تصبَّبُ
 
كأنَّ بها حِقدًا عنيدًا وما بها عناد مديد حاقد يتقلبُ
 
ولكنْ زباناها الكياسة والجَذى مُراودة.ً
 
منْ قامَ ؟ ثمَّ عقربُ، وثمَّ، برقطاء الأماني، تطوُّح
 
وكلٌّ لدى كلٍّ مدًى وتسرُّبُ
 
وكلٌّ، بليلى، واجد مُتواجد وليلى
 
امَّحتْ بينَ المضاربِ تندبُ.
 
وليلى الجراحاتُ التي تسكن السُّرى إذا الليلُ يعْرى
 
لمنْ سأقولُ :
 
البحرُ يلهث نازفًا دمًا عربيًّا .. والأكفُّ تخَضّبُ ؟
 
وكلٌّ، بليلى، واجد مُتواجد وليلى
 
امَّحتْ بينَ المضاربِ تندبُ.
 
وليلى الجراحاتُ التي تسكن السُّرى إذا الليلُ يعْرى
 
والذرى تتحدّبُ.
 
لمنْ سأقولُ :
 
البحرُ يلهث نازفًا دمًا عربيًّا .. والأكفُّ تخَضّبُ ؟
© 2024 - موقع الشعر