طائر النوء

لـ مراد العمدوني، ، بواسطة سماهر، في غير مُحدد

طائر النوء - مراد العمدوني

1
 
ماذا ترك الإسفنج للبحر
 
غير زرقته ؟
 
و ماذا تركت قريش لنا
 
غير جثمان مشدود إلى أرجوحة طفل
 
يمدّ يدا للسديم كأنها سهم من الماء
 
أو طائر النوء
 
يفر من حدائق الأسماء
 
إلى صفصافة
 
بلا مأوى
 
2
 
ردّة أخرى
 
لنسترد من الأشباه حرقتنا
 
و من الخيانات سرّ سلطتها
 
على الليلك البريّ
 
و خنق التوابيت لشوك النار
 
أو لنمدّد شعر الأرض
 
في سِدرة المُنتهى
 
عطشى مروج الدَّيس
 
لشفة يابسة
 
و ذي الرياح عطشى لرقصتنا
 
على دفوف الطواغيت
 
فما امتلأت نخاريب النحل
 
إلاّ دمّا
 
و ما نمت في الحوض
 
سوى زهرة الكبريت
 
3
 
الزمن الآن
 
بئر بلا ضفاف كضفائرها
 
سدّة نعلو من خلالها على ظلالنا
 
لنرى أديم أصابعنا
 
و هو يرتجف
 
رَشْفَةُ دم مُتَعَفِّنٍ
 
و أنامل أطفال
 
فرّوا
 
هناك
 
كي نلاحقهم
 
...
 
4
 
الزّمن الآن
 
احتشاد أجنّة
 
صدئت من فرط الانتظار
 
و انكسار المدن القديمة
 
في القفار
 
 
فهبني يا صليب البحر حلمك اليوميّ
 
كي أبكي مختلفا
 
و أذوب كسمك الطين
 
في وحل الأسماء
 
هبني حراشف
 
أحتمي بها من الذكرى
 
و المطر الرديء
 
5
 
هناك احتمالان
 
لاحتجاج العصافير
 
على ضحكتنا :
 
حين تستكمل الروح صورتها
 
وينفلت المطلق من السراب
 
أو تفرّ الحمامة المرضعة
 
من فخاخ المعجزة
 
و تترك ثاني الاثنين في الغار
 
فلا يبقى في الوادي سوى
 
جثة عاشقة
 
تعري ثديها للريح
 
و تخفي قبلتها في الغبار
 
 
6
 
الآن
 
تُطيّر أصابعي المناديل
 
في سمائها
 
جذوع النخيل تنتشي
 
بانكسار ظلّها
 
على الجدار
 
فأخطو فوق خطوط العِرض
 
متّكئا على عبث الأنساق
 
لأدخل آلات تُفرّخنا
 
نُسَخا ملطّخة من اختبار الحضارات
 
و خطوي كان مرتبكا
 
كظلال الله زمن البدء
 
أو ارتداد هباءة عاشقين
 
عن مسلك الخلق العقيم
 
 
7
 
أخطو
 
فهل أخطأ القلب
 
حين دلّ التماثيل على منبع الروح
 
لتكفّ عن حَدْسِ الأراجيف
 
و اختزال الفوضى
 
 
و هل أكتفي بإحصاء من فرّوا
 
خلف أوهام
 
بلا رائحة
 
كَقَيءِ الموتى
 
أم ألملم زغب الكواسر
 
من دم الحيض
 
و أنثر أسماءها حجرا
 
في الطواحين القديمة
 
8
 
أخطو
 
كما الإعصار منكسرا
 
على شبابيك الأصابيح
 
لا الأرض تقدر على حمل الطلقات اليابسة
 
لا النهر مال كي تفيض الحكمة البابلية
 
لا النفس المرتطم بجدار الحلق
 
قاد جُزَيْئَة الكربون
 
إلى تَجْويفَة مقيّحة
 
في القلب
 
لا لقب تجرّد من السيمياء القديمة
 
حتّى أعيد اللّغة إلى فَيْضِيّة العدم
 
9
 
الآن
 
تفيض الدروب العتيقة
 
بدمي
 
فدعي نوافذ الأحراش مقفلة
 
كي تغفو ربّات المدن ، قليلا ،
 
بعد سكرتها
 
و لا تقولي للرّيح
 
أنّي تَعِبٌ
 
حتّى ألامس جدائلك
 
بلا جرس
 
و أدسّ فمي في قباب الدَّيْسِ
 
معتصما
 
بضفيرتين مشنوقتين
 
على ظلّي
 
...
 
و أنفذ من بين دوائر الماء
 
خلف الحصاة التي ارتمت
 
في قاع الأساطير
 
فيدي لو فُتِّحت في النهر
 
لانزلقت من بين أصابعها
 
الرّوح
 
و لانكسرت آنية الوجهين
 
على صَدَفة مسكونة
 
بأشباح الحروف
 
و لانتفضت من بين أوردتي
 
أسراب الغرقى
 
لتستدلّ بها الأنهار العقيمة
 
عن انكسار الرَّضْفَة الصخريّة
 
و انحراف الحروب عن غريزتنا
 
و عن تعفّن الرّيح الشمالية
 
في أودية الجنوب
 
… …
 
10
 
طائر النوء
 
يمدّد ظلّي بين غُصَّتين
 
علّني أستعيد دهشة الأشياء
 
من جبَّانة اللغو
 
و أستعيد ارتباك جسدين مغتربين
 
يُغمِّسان أطراف الأنامل
 
في شمعداني
 
فأرتجف من شبق الماء
 
و يَنْجَرف الطّين المبلَّل
 
خلفي
 
إلى غُربة المعنى
 
في جَرَسِ الأسماء
 
 
11
 
طائر النوء
 
سَمِّ الذّات ، ما شئت إذن،
 
هي مشطورة
 
كالريح بلا مأوى
 
و هي مقتولة
 
بأخطاء الذي لا يُخْطِئ
 
في مخبر التجريب
 
و هي معروضة
 
على حافة الأسواق
 
يَفْتَضُّها النسيان و الذكرى
 
و هي ملفوفة
 
بستائر الاحتفالات
 
كي تُذبح ، علنا ،
 
على إيقاعات التقطيع المترنّح
 
بين بحور الخليل
 
و المغنى
 
 
12
 
الماء المُلَوَّث
 
لم يترك لنا
 
حرِّية الهذيان
 
فاستنشقنا النشوة
 
من الجمرات
 
 
كان يمكن أن نعيد
 
تركيب الماضي
 
كأفلام الكَرْتون
 
فننتصر حتما
 
و كان يمكن
 
أن نخلط مَنِيَّنا
 
بزَبَد البحر
 
كي تعودي إلينا
 
أجمل من كلّ الأساطير
 
و أجمل منها
 
وكان يمكن
 
أن نلهو مثل أطفال مشاكسين
 
فنرسم على صورتنا
 
أنيابا جارحة
 
لِنَنْهش ما تبقَّى لنا من جثث
 
على جدار الصمت
 
13
 
طائر النوء
 
تشظّى البرق على زجاجنا
 
فانكسرن......ا
 
كطائر الرّوح
 
و سقطنا مرّة أخرى
 
من جنّة الخلود
 
إلى مُسْتَنْقَعٍ
 
بلا ذكرى
© 2024 - موقع الشعر