قلعة الموت أو جنة الحشاشين - مراد العمدوني

هائِمُ
 
فوقَ أشلاءِ الرَّمَادِ
 
أتهجَّى جيَفَ المَوتَى
 
لأخفِي جُثَتِي
 
خلفَ عُصفورين
 
طارا في العراق
 
.....
 
كنت
 
أهوي
 
والهواء كان قِلاَعي
 
فتلاشَى كَخُطاف شَفَقِيّ
 
خانَهُ الوَجْدُ فغابَ
 
بين حَدّيْ رافدين
 
........
 
كنت
 
أهوي
 
والطريقُ البِكْرُ يُخفِي
 
ما تبقى من خفايا الوجه
 
والدّهر اليبابُ يستردّ
 
المجدَ من قَبْوِ التّمَني
 
..
 
هامتِ الرُّوحُ
 
.........
 
تلاشتْ
 
..........
 
كغُبارٍ بين دَوْحِ الرِدّتين
 
والصّدَى خانَ دُروبي
 
ثار نَفْحٌ من رَمَادي
 
فاستَوَيْتُ
 
خلف من فاتوا... وماتوا
 
بين أليافِ الوَرِيدِ
 
خلف طفلٍ نَبَويّ
 
أرْبَكَ النّجْمَ و صاحَ :
 
- هل أعيرُ النّهرَ للنّبعِ، و أمْضي
 
نحو أزهارٍ تموتُ
 
أم أعيدُ المُلكَ
 
للطّيْفِ الشّرِيدِ
 
......؟؟
 
كنتُ أستَلُّ المواعيدَ من الأكْفَانِ
 
وحدِي أحْتَفِي
 
باحتراقِ الوَرْدِ
 
في كَفّيْ حمامٍ
 
يَنحَنِي
 
لانشطَارِ الرُّوحِ
 
بين الصَّدْفَتَينِ
 
.....
 
كنتُ أبْنِي من خُرافاتِي
 
قِلاَعًا
 
للصِّرَاطِ المُستَحِيلِ
 
و أغَنِّي للدَّمِ المُسْتَنْقَع :
 
هل سرقنا المَوْجَ من حيتَانْه
 
كي يتوبَ البحرُ عن أخطائه
 
أم جَعَلنا الماءَ غَيْمًا
 
والنَّدَى سَقّفَ السَّحَابِ.
 
كنتُ أرْوِي للرّياحِ
 
كيف كُنَّا
 
نَقْطِفُ الشَّمْسَ من النَّهر
 
و نَرْمي كُجَّتَينِ
 
خلف إشرَاقِ الشُّعَاعِ
 
كيف كُنَّا
 
نَسبقُ المَوتَى إلى أكفانِهم غَيْمًا
 
فَتُبْقِينا الأغَانِي :
 
لَيْتَنا
 
لَيتَنَا نَبْقَى كَمَا الرّيحُ السَّمُومُ
 
مُزَقًا ثَكْلَى و أوطانًا تَحُومُ
 
ليتَ قَلْبِي ما هَوى الشَّوْكَ الذي
 
حينَ يَنْمُوُ، يَجعَل الأرض تَخُونُ
 
(.......)
 
هائم
 
بين أسْمَائي وبين الرّيحِ ألهُو
 
مثل طفل يُفلتُ الخيطَ لعصفُورِ الوَرَقْ
 
مثل بُركاَنٍ يُدَلّي شُعْلَةَ الرُّوحِ ... و يُهْدي
 
صورةَ المُطلقِ نَارًا للعَلَقْ...
 
مثلَ عفريتٍ خَطفْنا الماءَ من لُجّتِه الأولى
 
وصُغنا بهبَاءاته نَسلاً للغَسقْ
 
وجعلنا من هشيم الشّهوتَين قلعةً
 
ومن النّهرين قَبوًا للفلقْ
 
.....
 
ألهذا اللّحن عَزفٌ
 
غير ما تُلْقِيه عند البابِ أنثَى
 
من تَرَانيمِ الصّغارِ
 
......
 
ألهذا اللّحنِ
 
وقعُ المرأةِ الأولى ليحتلَّ حَنِينِي
 
لاكتشافِ الأرضِ شَكْلاً
 
في دُوَاري
 
فأديرُ الجِسْمَ
 
نَحوَ الجِسُمِ
 
.....
 
قسْرًا
 
ما استطَعْتُ،
 
أن أرى نَفسي وُقُوفًا لانهِيَارِي
 
في فُتَاتِ الوَهْمِ، يَهْوِي
 
حين نَرْوِي حُلمَنَا الشّادِي
 
بأطفالِ الفُراتِ
 
هائمٌ
 
لم تَزَلْ قلعَتُنا تحتلُّ غَيْمًا
 
والهباءاتُ تعدُّ الجسدَ البِكرَ
 
لموتٍ بَحرِيِّ
 
وتُهجّيه حدود النّهْدِ حَرْقًا
 
فوقَ فِعْلِ المُستطَاعِ
 
مَثَلاً، لو أستطيعُ الجَّمْعَ بين الرّيقِ والمَنِيِّ العَقيمِ
 
لو نَثَرْتُ النُّطفَةَ المَنْتُوفَة الأولى بلا إسم
 
على جُثّةِ الغَيْمِ
 
لو تأخّرتِ قَلِيلاً، يا ابنَةَ الرَّملِ البَعِيدِ،
 
عن مواعيدِ اللَّيَالي البيضِ
 
و استَمْطَرْتِ خَمْرًا
 
لَوْ.....
 
لو تَبَاطأتِ
 
ولم تَلْتَقِطِي
 
جُثَّةَ الطّيرِ
 
من ضِفَافِ الأرخبيلِ
 
لاستَطَاعَ الوَجْدُ أن يحتلَّ طَيفا
 
ويُعيدَ الرُّوحَ غَصْبَا
 
لفتًى مُسْتَنْسَخٍ
 
من جِينَةٍ مُبْتَلَّةٍ بالدَّمِ
 
والطّينِ الذّليلِ
 
قال نخلٌ
 
وهو يُخفي غَيْمَةً استَلَّهَا
 
من سُتْرَةِ التَّارِيخِ فَجْرًا :
 
- هَلْ يُعَادُ المَشْهَدُ السِّحْرِيُّ
 
لو يختلُّ نَجْمٌ
 
ويتوبُ العاشقُونَ
 
عن دروبِ النَّارِ
 
و التَجْدِيفِ ضدَّ الغَيْبِ
 
هل كنّا جميعا تحت سَقفٍ و سَمَاءٍ
 
تَتَدَلّى فوق قَبْرٍ مَائِلٍ
 
لتكفَّ الرِّيحُ
 
عن خَلْخَلّةِ الوَردِ الصَّبُوح
 
قد يَنِزُّ الصَّدَفُ البَحْرِيُّ
 
ماءً قاتِلا للبحر أحيانا
 
فنَمْضي خلف أسْمَاءٍ بلا مَعْنَى
 
ولحنٍ مُربِكٍ
 
كانكِسَارِ الضَّوْءِ
 
في قاعٍ سَحِيقٍ
 
....
 
خَلْفَ أوهامِ حُلُولٍ أبَدِيٍّ
 
في جِبَابِ اللهِ
 
واستمنَاءِ طِفْلٍ
 
يستَحي
 
من نُطفَةٍ مَفْتُونَةٍ بالانتِظَارِ
 
كان وقعُ المَوْتِ يَأتِي
 
كلّما استَحْوَذَتْ أشلاؤنا، غَصْبًا، على أشكالها
 
كلّما تُقْنَا
 
لصّوتِ امرأةٍ
 
مَهْمُومَةٍ بالانْتِشَاءِ
 
أو قَطَفْنَا جُثَثَ المَاضي من الذّكْرى
 
أو مَشَيْنَا
 
بين نَهْدَينِ لبنتٍ تَتَعَرَّى
 
في طريقِ النَّهْرِ
 
كيْ تَحْمِي كِتَابًا
 
لِمَ لِمْ تَأتِ من الرِّيح
 
سوى الرُّوحِ البَغيِّ ؟
 
لِمَ لمْ تُخفِ اللَّيالي صوَرَ العُشَّاقِ
 
عن مَجْرَى الرَّصَاصِ ؟
 
لِمَ يا ليلُ
 
يمرُّ الطّيرُ بينَ الرّيحِ غَيْمًا
 
وهو يُلقِي ما تَبَقّى مِن رُكَامٍ
 
فوق قَلبّي
 
فَتَفيضُ الأغنِياتُ
 
( ليلي يا ليلي
 
آه .... يا ليلْ
 
.......)
 
يا ليلُ
 
لكَ ما تُخْفِيه عنَّا القُبْلَةُ الموقُوقَةُ الأولى
 
من ظلالٍ
 
وجع المُجهضةِ البكرِ
 
بطفلِ الأنبِياءِ
 
لكَ ما تهديه أنثى
 
لفتاةٍ تَستَعيدُ اللذَّةَ وَهْمًا
 
بالسِّحَاقِ
 
و حريقٌ مُسْتَعَارٌ من حِكَاكِ الشّفَتَيْنِ
 
لكَ أن تستلَّ فيض الصّوتِ
 
من حُنْجُرة الطّفلِ الأبيِّ
 
لا مفاعيلَ تَبَقَّتْ
 
كي نُغنِّي
 
لا... ولا صمتًا يليقُ
 
قد يَخونُ العالمُ الماضي
 
فلا تبقى موازينُ
 
والتي كادت تكون ال"فاعلاتن"
 
لم تكن إلاّ " مَفَاعِيلُ"
 
....
 
مفاعيلُ من نحنُ، إذن؟
 
حتّى تُخْفِينَا الظّلاَلُ تحتَ سُتْرتِها
 
و ترمينَا المعاني إلى الذُّهول
 
مفاعيلُ من نحنُ إذن؟
 
وهذي السماءُ تستَبْقي الرَّافدَين في مَوَاقِدِها
 
ثمَّ تَخُونُ
 
هائمٌ
 
لَكَمْ جَرَّدْنا أشيَاءَنا
 
منَ الهَيُولَى
 
و أعدنا للرِّيحِ
 
شكلَ النّارِ
 
و التُرْبَةِ الموؤودة
 
لتمضي بنا القواربُ
 
خلفَ شَفَقِ مُلطّخٍ بالبحرِ
 
وتُنشئُ من صَلصَالِهِ بلدًا
 
يُكتِّفُنَا بالأمنِيَاتِ
 
ويعبثُ بأوجاعِنَا الثكلى
 
....
 
آه..... يا بلدي
 
...
 
تعبت أسمَائي منّي
 
....
 
تَعبت
 
فَدَع جسدي
 
يختَرق شهوتَه بالضّياعِ
 
ويختلق شَبَقَ المَوتِ
 
دع قلعة النّسْرِ
 
تحتضن نجمتَهَا المهيأة للانشطارِ
 
و تُهدي رفرفةً للصوتِ
 
لم تَعُدْ لنَا
 
خرائط لنمتدَّ خلفَ أشكالها
 
وننامَ كالأطفال تحت لحافِ الرّيحِ
 
لم تَعُدْ لنَا
 
لذّةُ المعنى
 
ولا ثرثرةً همجيّةً كالطّقْسِ
 
حتّى نُعيدَ الدَّمَ
 
إلى وردةٍ محفورةٍ على الهَمْسِ
 
و نَتّكِئَ على صفصافةٍ أخرى
 
غيرَ عُمْرِي
 
آه... يا بلدي
 
تَعِبتْ أسمائي منِّي
 
تعبت ... كلّ المدن
 
تعرّت ليَ الأشياءُ
 
بلا شَبَقٍ
 
كأنّها ماءٌ مُلَوّثٌ بالذكرى
 
كأنها ابتسامةُ نهرٍ
 
بين مَوتَينِ
 
يمتصُّ دَمَ الرّيحِ
 
وأنا أمدّدُ صَمْتِي
 
بين شَفَتَينِ مُقَيّحَتَينِ ... و جرحْ
 
آه يا بلدي
 
تعبتْ أسمائي منِّي
 
... تعبتُ...
© 2024 - موقع الشعر