هذا الفتى ... - محمود محمد الشلبي

هذا الفتى بقميصه المخضوب
 
بالدم والندى .
 
في الفجر أيقظ كومة الأحجار ،
 
واستل اللهيب من المدى .
 
فتجمع الفتيان ...
 
كانوا واحداً ..
 
في صوتهم عبر المحيط إلى الخليج ، ورددا ..
 
يا ليتني حجر بكف فتى يصوبني ،
 
وأعرف كيف أمتشق الردى .
 
يا ليتني الأمس الذي يأتي إلي اليوم ..
 
الذي يأتي غدا ..
 
لم يبق لي غير الذي تركوا :
 
حجر من الصّوّان ..
 
مقلاع وباع ..
 
واحتمالات الفدا .
 
***
 
هذا الفتى ...
 
شق النهار على محبته ،
 
وأرضى أمه .. وتمردا
 
دمه نشيد الأرض ،
 
في غسق الشوارع ،
 
والدخان سحابة تمضي ،
 
وهذا الصوت عاد فغرّدا .
 
قد يصدأ السيف الذي صقلته
 
كف محارب ،
 
حين التراب الرطب يصبح مرقدا
 
لكنما الحجر المقاتل لا ينام ،
 
ولا يضام ،
 
ولا يداخله الصدا .
 
هذا الفتى ..
 
كفاه مشرعتان :
 
كف دحرجت شمساً على جبل ،
 
وكف أوقدت بركانها .. فتوقدا .
 
هذا الفتى ..
 
صعد الجليل وقدَّ من زيتونة الحجر الجميلة ،
 
غصنه وتقلدا،
 
ورمى بآخر صفحة من دفتر الدمع الحزين ،
 
وأنشدا :
 
سبحان من جعل الحجارة موريات
 
تشعل الطرقات موتاً أسوداً .
 
سبحان من شحذ الطفولة ،
 
كي ترد لوجهنا الذاوي نضارة مائه
 
وتجددا .
 
سبحان من نكأ الجراح لتزدهي بثمارها ،
 
من زهرة الشهداء ،
 
كي تلتام .. أو تتخلدا .
 
***
 
قوس من الحجر المقدس عند فاتحة
 
البيوت ،
 
وفي الأزقة ،
 
خلته ورداً تشابك من دم .. وزبرجدا .
 
يا أم " باسل " لا تراعي ...
 
أسندي رأس الفتى بيديك ،
 
أو بحجارة
 
رشي الضريح بحفنة الحناء ،
 
فالحجر الأصم إذا تحرك أرعدا .
 
يا أم كل فتى تناثر في البلاد ،
 
سلاحه حجر انتفاضته ،
 
مداه الحلم يلثم فرقدا
 
كذب الدعاة فمعدن الأرض السخية
 
مستفيض :
 
قلبها ماس ،
 
ووجه أديمها آس ،
 
ورايتها نسيج دم ،
 
لها تأتي الكواكب سجداً ،
 
اليوم تنتفض المدائن والقرى ،
 
وبعزمها النصر
 
الذي ماشى ( صلاح الدين ) في " حطين "
 
أو دعا ( خالدا)
 
اليوم تنبجس الينابيع السخية ،
 
تحت صخر الأرض ،
 
تخضر الكروم ،
 
ويشهد التاريخ طفلاً أمجدا .
 
***
 
يا ذا الفتى المجدول من حجر الجبال
 
وغضبة الأجيال ،
 
أشعلت الفضاء بقوس نارك ،
 
صرت وحدك سيدا
 
وسللت سيفاً مله الغمد الأنيق ،
 
ومله الحد العتيق ،
 
أهتز سيفك للحمى ،
 
وتشهّدا ..
 
ما عدت تحتمل المبيت على الطوى ،
 
والسِّرب مؤتلف
 
ومؤتلق الفتوة ،
 
إن أغار .. وأنجدا .
 
المجد للحجر الذي دوى بصمت زماننا ...
 
والمجد للحجر الذي حفظ اليدا .
 
***
 
يا ذا الفتى ..
 
هذا اسمك العربي
 
أزهر موجه ..
 
فكسرت قيدك يا فتى ..
 
وكسوت أرضك أرجواناً .. عسجدا
 
أرَّخت في سفر الحروب فصول عشقك ..
 
و انتزعت من الحجارة مولدا .
© 2024 - موقع الشعر