فواصل من دفتر الأرض - محمود محمد الشلبي

قبل لغو العصافير ،
 
والفجر متشح بالندى والضباب .
 
كان طيف يحاورني ..
 
وأنا ماثل بين نبض المدى،
 
واشتعال التراب .
 
يومها ...
 
كانت الأرض تنهض من صحوها .
 
ترتدي ثوبها القرمزي ،
 
المطرز بالآس ،
 
والزعفران المذاب .
 
قالت الأرض للشمس ،
 
والشمس تغرق في نزفها المشرقي،
 
وتصعد في سلم من سراب :
 
ليت لي شعرك الذهبي ،
 
الموزع بين السماء
 
وابعد ما ترتضيه الحراب .
 
ليت لي أن أجاب ...
 
فأنا أشتهي صورة الموت في الحب ،
 
ينقلها الموج للشجر الغض ،
 
والشجر الغض ينقلها للسحاب .
 
إنني الأرض سيف وغمد :
 
فأنا الأرض غمد لسيف الشهيد ،
 
وسيف لغمد الشموس ،
 
ولي منزل في الكتاب .
 
أنني الأرض أسلمت كل الفصول لصوتي ،
 
وآذار للريح تزرع أنفاسها ،
 
في بطون الهضاب .
 
أيها البشر الغارقون بهذا الخراب .
 
أنني الأرض ، قلبي يفجره الرفض ،
 
والرفض طقس الشهادة ،
 
والنار ،
 
والطلقة
 
الكلمة ،
 
الحجر ،
 
الورد ،
 
والرفض تأشيرة للعباب .
 
إنني الأرض قلبي يفجره الرفض ،
 
يا أيها النائمون على حلم من يباب .
 
أنزلوا مصعد اللهو في ناطحات السحاب
 
أنزلوا واحداً واحداً ..
 
واشهدوا غضب الأرض ،
 
أو فاتركوا لحمكم للكلاب .
 
* * *
 
كانت الأرض تنهض من صحوها
 
رحبة الصدر ،
 
في يدها سلة من ضلوع النخيل ،
 
بها برتقال السهول ،
 
وطير على غصن دالية ،
 
من كروم " الخليل " .
 
كان مرج من القمح في وجهها ... والعيون .
 
أخذت شكل زيتونها ،
 
في التراب الأصيل .
 
كان في الأرض ذاكرة ،
 
من عذاب نبيل
 
صعدت طرفها لفضاء ،
 
من النوم والحلم ،
 
واهتزت الأرض لما دعتها الخيول .
 
قالت الأرض للشمس ،
 
والأرض محفوفة بالقيود :
 
جئت هل ألتقي بالبنود ؟!
 
قمت كي أستقر على راحة ،
 
للشهيد الجديد ،
 
المسافر نحوي ،
 
على فرس من رعود .
 
قالت الشمس للأرض ،
 
والأرض تنثر أبناءها
 
ثمراً دامي الخد ،
 
هذي الحجارة طلقاتهم ،
 
والأناشيد تعبر " باب العمود "
 
***
 
أمددي حلماً أخضر اللون ،
 
أو صحوة من شهيق المدائن ،
 
ثم اتبعيني .
 
واتبعيني ... اتبعيني .
 
إلى قمة " الكرمل " – اليوم –
 
أو رأس " عيبال "
 
و " الطور " ،
 
كي تمتطيني .
 
لك الله أيتها الأرض ،
 
يا جسداً من دم ،
 
غارقاً في حنيني .
 
لك الله أيتها الأرض ،
 
يا حجراً ،
 
يشعل الصمت
 
والوقت ،
 
في شارع للمنون .
 
فاسكبيني .. اسكبيني ،
 
على قبب القدس ،
 
و انتظري فرحة العرس ،
 
قادمة كالنهار الوضيء ،
 
على بيرق في جبيني .
© 2024 - موقع الشعر