هوامش من دفتر الحرب - حسن إبراهيم الحسن

1 – وردٌ على الأنقاض :
 
ستواصِلُ الأزهارُ مهنتها و تطلعُ في الربيعِ
 
أمامَ أحداقِ البنادقِ غيرَ آبِهَةٍ بأعباءِ الحِصارِ
 
فربَّما صارت هديَّةَ طِفلةٍ لأبٍ يعودُ ،
 
و ربَّما وخزتْ بجنديٍّ من الغرباءِ ذاكرةَ الطفولةِ فانحنى يبكي ...
 
ستَكسِرُ قِطَّةٌ ( حظرَ التجُّولِ ) ،
 
و الطيورُ تمُرُّ - هازئةً - على الأنقاضِ / تنقرُ حِنطةً و تطيرُ من عَلمٍ إلى علمٍ على مرأىً من ( الجنرالِ ) ،
 
... مازالَ النعاسُ يشدُّنا ليلاً إلى الأحلامِ /
 
يأتي مثلَ عادَتِهِ ،
 
و يأتي مثلَ عادَتِهِ الصباحُ مُضَرَّجاً بالبُنِّ ،
 
لا مطرٌ سيُخلِفُ وعدهُ /
 
يأتي كعادتهِ ،
 
و ينضجُ مثلَ عادتِهِ الشعيرُ ،
 
على انتظارِ مناجِلٍ صَدِئتْ كأبوابِ المدارِسِ ،
 
سوفَ يعتادُ الصِغارُ - كغيرهم - في الليلِ أصواتَ المدافِعِ ، يلعبُونَ
 
و يشكرونَ الحربَ إذْ أكلتْ دفاترهم
 
وأجَّلَتِ العقوبةَ و امتحانَ الشعر ...
 
* * * *
 
2 – البيادق :
 
لا بُدَّ من حربٍ لتكتَمِلَ الحياةُ بموتِهم
 
هُمْ
 
نُخبةُ القتلى و أرخصهم دماءً في الحروبِ /
 
بريدنا للأرضِ إنْ تاقت إلى مطرٍ /
 
قرابينُ العروشِ /
 
سلالِمٌ كي يَصعَدَ الأمراءُ
 
- من عتمِ الهوامِشِ - سِدرةَ التاريخِ /
 
هُمْ
 
للقائِدِ المهزومِ أسوارٌ سيُشرِعُها على مرمى الرصاصِ
 
و يمتطي دربَ الخلاصْ ،....
 
لَهُمُ التسوُّلُ حينَ نُنْكِرُهُمْ
 
و نَنْسى أنَّهُمْ فقدوا السواعِدَ في الصراعِ نيابةً عنا
 
لهمْ أن يفرحوا بفتاتنا مثلَ الكلابِ
 
و حسبُهُمْ دمعٌ خفيٌّ حينَ ننهرهم غدا
 
لَهُمُ ( النياشينُ ) الرخيصةُ في احتفالاتِ الملوكِ العاطلينَ عنِ القتالِ /
 
مدائِحُ الشعراءِ /
 
زغردةُ النساءِ /
 
هُتافنا ... لَهُمُ الردى
 
و لنا الحياةُ نيابةً عنهم ،
 
لنا النسيانُ في عيدِ السلامِ كأنهم ماتوا سدى
 
* * * *
 
3 – الوزير :
 
ظِلُّ الأميرِ ،
 
رسولهُ
 
و لعلَّهُ الذِئبُ المرابطُ في الصديقِ
 
يُحَفِّزُ الأبطالَ ،
 
يشحذهم ، و يمضي آمِناً
 
خلفَ المتاريسِ المنيعةِ ،
 
كلَّما اشتدَّ الحِصار يُخاطِبُ الفقراءَ :
 
أنْ جوعوا ليصمدَ جيشُنا
 
لكنَّهُ يوماً سيرشِدُهم إلينا حينَ تنهزِمُ الجيوشُ ،
 
خرائطُ الأبوابِ يحملها إليهم /
 
كِلْمَةُ السرِّ /
 
الطريقُ إلى مكامنِ خوفنا /
 
الشجرُ الذي ستراهُ ( زرقاءُ اليمامةِ )
 
لاهثاً فوقَ الرمالِ
 
كأنّهُ الجهةُ التي ينهارُ فيها الحلمُ ،
 
يأتينا غداً ليُنَكِّسَ الأعلامَ ثمَّ يقودنا أسرى إليهم ، باسمِ قاتلنا سَيَحكُمُ دولةَ الأنقاضِ ،
 
يرسِلُ من يُمَثِّلهُ إذا اشتدَّ الحِصارُ ؛
 
يُحَفِّزُ الأبطالَ ،
 
يشحذهم ، و يمضي ...
 
* * * *
 
4 – الحصان :
 
الخيلُ تمضي ...
 
هكذا اعتادَ الصغارُ ظهورَ أجدادٍ
 
فشبّوا يعشقونَ الخيلَ ،
 
لا خيلٌ و لا ليلٌ يُزنِّرهُ الصهيلُ
 
الخيلُ تمضي ...
 
و الذينَ يغادِرونَ
 
يغادِرونَ لأنَّهم ملّوا الإقامةَ في حِصارِ الأمَّهاتِ
 
و شَفَّهُمْ حُمْقُ الرجولةِ حينَ زَغرَدَتِ النساءُ فأسرجوا أعمارهم للثأرِ ،
 
ساروا ...
 
لا صدى لنتابِعَ الإيقاعَ ،
 
تخذِلنا الجهاتُ بلا غبارٍ يستثيرُ الصمتَ فينا
 
كي نُتَمتِمَ : علَّهُ عادَ الرسولُ
 
بقميصِ أجملهم ، تُرى
 
نَفِدتْ هناكَ شهورهم ؟
 
فاستسلموا للطينِ و ارتدّوا إلى رملٍ على أكتافهِ صَعَدَ النخيلُ !
 
الخيلُ تمضي ...
 
و المكانُ يشُدَّنا
 
لو كانَ يمكِنُهُ الرحيلُ !
 
الخيلُ تمضي ...
 
* * * *
 
5 – القلعة :
 
كانوا صِغاراً
 
كلَّما اجتمعوا على شطٍّ أشادوا قلعةً في الرملِ
 
و ابتدؤوا الحِصارْ
 
الحربُ لعبتهم ،
 
بنادِقهمْ عصيُّ التوتِ
 
أو أغصانُ ليمونٍ طريٍّ مثلهم ...
 
كانوا صِغاراً يتقِنونَ الحبَّ و الأحلامَ ،
 
ينتشرونَ كالأزهارِ في ملحِ الشواطئِ
 
يَنْهَرونَ الموجَ إذْ يعلو
 
وينسحبونَ كالجيشِ الكسيرِ ، يوَدِّعونَ قِلاعهم قبلَ اجتياحِ المدِّ ،
 
كم كانوا صغاراً طيبينْ ...
 
كبروا قليلاً أو كثيراً مثلما
 
كبرتْ غِوايتهم فلوَّثهم رَغيفُ الخبزِ إذْ جاعوا
 
و لوَّثهُم دَمُ الأطفالِ في ذَهبِ الملوكِ ،
 
قِلاعُهم شَهَقَتْ
 
و صارَ التوتُ في الأيديْ بنادِقَ
 
هكذا كبروا
 
و صاروا يتقنونَ الحربَ من أجلِ الغنائِمِ أو لمتعَتِهمْ
 
و يَخشونَ الإقامةَ خارِجَ الأسوارِ
 
إذْ أنَّ الطبيعةَ كُلَّها كَمَنَتْ لَهُمْ إلا القلاعَ لأنَّها
 
أبداً تظلُّ على حيادِ الطينِ كالمرآةِ لا تبكي على مَلِكٍ يُغادِرُها إذا اشتدَّ الحِصارُ
 
و لا ترُدُّ خيولَ فاتِحها الجديدْ ......
 
* * * *
 
6 – هدنة :
 
وقتٌ
 
لنمتَدِحَ الحياةَ ،
 
نعيشها ، و نُقِرّ إنسانيةَ الأعداءِ ،
 
فالأعداءُ طينٌ مثلنا ؛ جيشٌ تُسيِّرهُ العروشُ
 
لنزوةِ التاريخِ ، لا أحقادَ تدفعهم ، ولا أمجادَ ، هاجسهم سريرٌ دافئٌ يُفضي إلى الأحلامِ و امرأةٌ ببابِ البيتِ تنتظرُ السُعَاةَ
 
لعلهم زفَّوا البشائرَ بانتهاءِ الحربِ ،
 
أو عادوا بقمصانِ الحبيبْ ، ... /
 
وقتٌ لتزييتِ البنادِقِ ،
 
و اقتناصِ فُكاهةٍ للحَدِّ من بؤسِ الخنادقِ /
 
هامِشٌ
 
كالنهرِ يرسمُ هدنةً بينَ الجنودِ ليكتبوا لنسائِهم أو يستريحوا في هواجسهم قليلاً /
 
برهةٌ
 
ليُودِّعَ الأحياءُ قتلاهم على مهلٍ ،
 
لينتَشِلَ الصديقُ صَديقَهُ ،
 
يسقيهِ ماءً ريثما يُملي وصيَّتهُ الأخيرةَ :
 
( أوقِفوا الجُنَّازَ في بابِ الحبيبةِ ،
 
و افرشوا التابوتَ زيتوناً و آسْ ... )
 
وقتٌ لتكتَشِفَ الحواسْ
 
عندَ المحارِبِ ما تُخَبِّئهُ الطبيعةُ من مفاتِنِها
 
و ما للخصمِ من عَتَبٍ علينا :
 
( كيفَ تنسى أنَّنا أبناءُ هذا الطينِ ، دعْ عَنكَ السلاحَ و هاجِسَ الأمراءِ / من زجّوا بنا في هذهِ الحربِ الحقيرةِ ...
 
دونَ قصدٍ سوفَ تقتلني لتحملَ صورتي شبحاً
 
و تورِث - بعدنا - الأبناءَ ثأراً ، بينما يتبادلُ الأمراءُ أنخابَ السلامِ ، يقهقِهونَ ...
 
كأنَّنا حجرٌ على ( الشطرنجِ ) يجمعنا القتالُ
 
على مسارحهم - سدىً - من أجلِ متعتهم،
 
ستقتلني لتحيا ،
 
ثمَّ تلقاني أمامكَ كلَّما أسلمتَ روحكَ للنعاسْ .... )
 
* * * *
 
7 – بيدقان ( أبيض ، و أبيض يرتدي الأسود ) :
 
يا صاحِبي
 
نصفينِ كنَّا ،
 
كيفَ مَسَّتنا الرجولةُ فافترقنا ،
 
و اجتمعنا ضِفَّتي حربٍ
 
لتمتَدِحَ الطوائِفُ حربَها فينا ،
 
سنذكُرُ أنَّنا حينَ التقينا تحتَ أضلعنا ارتجفنا :
 
هل نؤجلُ حربنا بعدَ العناقِ ؟
 
أمِ الرصاصُ سيسبِقُ القُبُلاتِ ، حاصرنا التَشَتُّتُ
 
لم نشأْ أن نُحسنَ التصويبَ لكنَّ الطريدةَ
 
أيقظتْ فينا الذئابَ و مسَّنا ذُعرُ الطريدةِ
 
فانتبهنا فجأةً :
 
الكفُ أقربُ للزنادِ و بيننا الخطواتُ تختصِرُ القيامةَ ...
 
لمْ نُفكِّرْ عندما سَرَتِ الحماسةُ في الأصابعِ
 
و استَفَزَّتنا النساءُ وراءنا ،
 
كنَّا ارتجفنا
 
لم نشأْ أنْ نُحسِنَ التصويبَ
 
لكنَّ الطريدةَ أيقظتْ فينا الذئاب .......
 
* * * *
 
8 – هامش أخير لحسم الصراع :
 
كِشْ مَلِكْ
 
.......................
 
.......................،
 
....................... !
 
* * * *
© 2024 - موقع الشعر