حبيبتي والعرافة - محمود محمد الشلبي

جاءتني ملهمتي ذات نهار .
 
تحمل في عينيها حزنا عربيا ،
 
وحكايا خلفها الليل وراء العتمة والأمطار .
 
قالت :
 
هذي الليلة باعت أنجمها قبل الصبح ،
 
وطارت في حضرة ذاك الغسق الراحل ،
 
مني الأشعار .
 
لكني جئتك يا شاعر ،
 
والحزن الليلي يؤاخذني .
 
ويعلق أخر حرف همسته العرافة في أذني .
 
حين أضفنا للخط المكتوب ،
 
بماء النار .
 
أخر قطرة دم .
 
وتبادلنا عبر الأوردة الدموية ،
 
كل الأسرار .
 
قلت : كفى .. نحن الآن ثلاثة .
 
أنت ... تمرين بأعراقي ،
 
نرجسة ..و سؤالا .. وربابة
 
وأنا أتمزق فوق الخنجر ،
 
قلباً وكتاباً .. وسحابه .
 
والثالث .. هذا الثالث حزني ، حزنك ،
 
يعظم .. يشتد ،
 
نسافر في وجه الإعصار .
 
ونولد ثانية قي أحشاء الغابة .
 
***
 
قلت : كفى ..
 
رشي فوق الجرح العربي الملح .
 
وشقي بالسيف المهجور الصبح .
 
تكذب هذي العرافة حيناً ...
 
تصدق هذي العرافة أحياناً .
 
نخفي هامتنا في الرمل المالح ،
 
في عز الظهر ،
 
ونطلق أصواتأً أكبر منا ...
 
لكنا ..
 
نكشف في اليوم التالي أنفسنا .
 
نأتي الصحراء العربية نسألها :
 
عن آخر جندي .
 
علق رايته في صدر الريح ،
 
وأودع بعض ملابسه في وجدان الشيخ ،
 
أو هاجر طوعا ،
 
نحو المتوسط يبني خيمته ،
 
عبر رحيل الموج ،
 
كي يزرع نخلته ،
 
في ذاكرة الشاطئ ،
 
مع أول فوج .
 
ضجت هذي الصحراء العربية
 
حزنا.. عربا ... بترولا ... قاتا وطحينا ً .
 
وتحول ماء البحر المتوسط ،
 
في أوجهنا طيناً .
 
****
 
قالت ملهمتي :
 
أسأل هذي العرافة ثانية
 
عن أسرار لا يعرفها إلا النخبة فينا .
 
فالعرافة تضرب بالرمل .
 
والعرافة تكشف أسرار الحمل .
 
تدرك من معرفة الطالع ،
 
خاتمة القول .
 
***
 
فارتعشت عرافتنا ،
 
قالت :
 
هذا زمن " يخلع فيه العربي عباءته " .
 
ويبيع – بلا استحياء – فوق جسور
 
الليطاني سمرته .
 
ويمزق عند حدود الوطن المذبوح .
 
هويته .
 
هذا نهر يبحث ثانية عن مجرى
 
هذا نخل قلب فيه السعف اليابس .
 
كف الذكرى .
 
هذا شجن ...
 
هذا حزن ...
 
هذا وطن لا يملك إلا أن يعلن .
 
مع أول خيط من خيطان الفجر .
 
براءته .
 
قلت : تعالي نتقايض فرحا وعدا
 
بعزاء ودماء .
 
يا قمرا مجروح القلب يسافر فينا .
 
ويعاود رحلته دون عياء .
 
قلت : تعالي :
 
هذي الأرض تظل لنا .
 
- نحن الشعراء - .
 
ولقافلة الأبطال ،
 
وللأطفال ،
 
وللشهداء .
© 2024 - موقع الشعر